يحيط هذا الفقيه بنوع من التقدير والإجلال. ذلك أنه نصبه "خليفة" بدانية والجزائر وسائر أعماله، وأخذ له البيعة على الناس، وسماه بأمير المؤمنين المستنصر بالله، ونقش اسمه في سكته وفي أعلامه، وذلك في جمادى الآخرة من سنة ٤٠٥ هـ (١). ويقال إن مجاهداً صحب معه المعيطي في حملته إلى الجزائر الشرقية، وإنه كان ساعده الأيمن في الاستيلاء عليها. بل يقال إنه هو الذي أوعز إليه بغزو سردانية.
- ١ -
وبينما كانت دول الطوائف الأخرى، سواء في شرقي الأندلس، أو في غربها، تخوض غمار المنازعات والحروب المحلية الصغيرة، كان مجاهد العامري يفكر في مشروع ضخم، ربما كان أعظم مشروع فكر فيه أمير من أمراء الطوائف، ذلك هو غزو جزيرة سردانية وافتتاحها. وقد كان مجاهد، زعيماً قوي النفس، وكان فيما يبدو بحاراً مجرباً، وكان يرى أن مملكته الساحلية، وأملاكه البحرية، تقتضي أن يكون اعتمادها في القتال على الأساطيل قبل كل شىء، ومن ثم فقد اقتضت همته أن يجدد دار الصناعة القديمة (دار صناعة السفن) التي كانت بدانية، وأن يضاعف طاقتها لتمده بالسفن المقاتلة والناقلة من مختلف الأحجام، واستكثر من السفن والمعدات الحربية، واستطاع في فترة قصيرة إن ينشىء أسطولا كبيراً يرابط في مياه دانية والجزائر، وغدت دانية فيما بعد، في عصره، وعصر ولده علي، أعظم مركز للأساطيل الأندلسية. وكان مجاهد يتطلع بعيداً من جزائره الشرقية إلى ما وراء هذه المياه من الجزائر الكبيرة الغنية ولاسيما جزيرة سردانية العظيمة، التي عرفها البحارة المسلمون من قبل، في كثير من الغزوات المتعاقبة.
وضع مجاهد خطته لغزو هذه الجزيرة الكبيرة، فحشد أسطولا قوامه مائة وعشرين سفينة، وقوة من ألف فارس، وأقلعت السفن الغازية من دانية والجزائر في ربيع الأول سنة ٤٠٦ هـ (أغسطس ١٠١٥ م)، وعلى الأسطول قائده أمير البحر أبو خروب. وكانت المسافة بين مياه دانية والجزائر وبين سردانية، يومئذ تستغرق ثمانية أيام. وكانت جزيرة سردانية موضع اهتمام