للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغزاة العرب منذ فتح الأندلس، وقد غزاها العرب لأول مرة في سنة ٧١١ م، أيام موسى بن نصير. ثم توالت غزوات البحارة المسلمين لسردانية، فغزوها في سنة ٧٥٢ م، ثم في سني ٨١٣ و ٨١٦ و ٨١٧ و ٨٣٨ م. بيد أن هذه كانت كلها من الغزوات العارضة، التي يقنع الغزاة فيها بالسبي والغنائم، وكانت المقاومة العنيفة التي يلقونها من أهل الجزيرة تحول دون احتلالها والاستقرار فيها.

وكانت سردانية في البداية تحت حكم الدولة البيزنطية، فلما ضعف سلطانها في تلك المياه، وقعت سردانية تحت حكم اللونبارد، ثم تحت حكم الفرنج. بيد أن هذه لم تكن سوى حماية اسمية. وكان يحكم الجزيرة منذ القرن الثامن قضاة أو أمراء محليون. وكانت طبيعتها الوعرة، وشجاعة أهلها الجبليين، واعتزازهم بحرياتهم، مما يعاون في دفع الغزاة، ورد الحملات الغازية العارضة.

بيد أن هذه الحملة، التي سيرها مجاهد العامري إلى الجزيرة، كانت تمتاز بضخامتها، وضخامة عُددها، وتمتاز بالأخص بما يقترن بها من عزم راسخ على الفتح والاستقرار. ومن ثم فإنه ما كادت السفن الغازية ترسو على شواطىء الجزيرة - والظاهر أنها رست في خليج كالياري في جنوب الجزيرة - حتى شق الغزاة طريقهم إلى الداخل بمنتهى العنف، ووقعت بينهم وبين أهل الجزيرة معارك دموية هائلة قتل فيها عدد جم، وكان قائدهم مالوتو في مقدمة القتلى، وأسر الغزاة جموعاً غفيرة، وسبوا كثيراً من النساء والأطفال. واستطاع الغزاة أن يحتلوا معظم أراضي الجزيرة، بالرغم من المقاومة العنيفة التي لقوها، وأن يسيطروا على معظم حصونها (١).

ْوهكذا فتحت سردانية على يد مجاهد العامري، وذلك في شهر أغسطس أو سبتمبر سنة ١٠١٥ م (ربيع الثاني سنة ٤٠٦ هـ) (٢). وكان أول فتح إسلامي لهذه الجزيرة الكبيرة. وتقول لنا الرواية الإسلامية إن مجاهداً غلب على معظم أنحاء سردانية وافتتح معاقلها، ثم قرر البقاء في الجزيرة، حتى يوطد مركزه بها، واختط بها بالفعل مدينة واسعة شرع في بنائها، وانتقل إليها بأهله وولده، وأنه أحرز من الغنائم والسبي مالا يأخذه الحصر، حتى كسد السبي في زمانه،


(١) Amari: ibid., V.III.p. ٦ & ٧
(٢) وفي جذوة المقتبس أن الفتح وقع سنة ٤٠٦ أو ٤٠٧ هـ (ص ٣٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>