للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وانحطت أثمانه (١). ومن المحقق على أي حال أن مجاهداً لبث في سردانية حتى نهاية سنة ٤٠٦ هـ، أعني نحو عشرة أشهر. وفي خلال ذلك كانت البابوية والدول الإيطالية القريبة، قد اهتزت لهذا الحادث الخطير، وزاد في روعها وسخطها ما عمد إليه مجاهد من الإغارة بسفنه على الشاطىء الممتد بين جنوة وبيزة واقتحام مدينة لوني ونهبها، وكانت جنوة وبيزة يومئذ هما أقوى الدول البحرية في هذه المياه, ولكلتاهما مصالح تجارية عظيمة تحرص على حمايتها. وفي الحال أعلن البابا، وهو يومئذ بندكتوس الثامن، الحرب الصليبية ضد المسلمين، وعقد تحالفاً مع جنوة وبيزة على محاربة المسلمين وطردهم من الجزيرة. ومما يروى بهذه المناسبة، أن مجاهداً العامري أرسل إلى البابا كيساً مملوءاً بحبات القسطل، معلناً أنه سوف يعود بعدها، وأن البابا رد بأن بعث إليه كيساً مملوءاً بالحشائش الرفيعة، قائلا إنه سوف يلقى بعددها ممن يرتدون الخوذات.

وهكذا عقدت الدول الإيطالية بزعامة البابا، العزم على تحطيم الغزاة المسلمين، ورد خطرهم عن هذه المياه.

وهنا يحيط الغموض بالفترة القصيرة، التي قضاها مجاهد العامري في سردانية. ففي بعض الروايات أن مجاهداً عاد بعد هذه الحملة الأولى إلى دانية وجهز حملة ثانية إلى سردانية، في صيف العام التالي أعني في سنة ٤٠٧ هـ (١٠١٦ م) وذلك لكي يقضي على كل مقاومة في الجزيرة، وهذه رواية يصعب تصديقها، وليس في سير الحوادث ما يؤيدها. والحقيقة هي أن مجاهداً لبث بعد غزو الجزيرة، يبذل جهده في تحصينها، وفي الاستعداد للدفاع عنها، واستمر طوال الوقت في كفاح دائم مع أهل الجزيرة. ولما قدمت السفن الجنوية والبيزية والسفن النصرانية الأخرى من مختلف الأمم، ودخلت مياه كالياري، استعد مجاهد للمعركة الحاسمة، ولكن مقاومة أهل الجزيرة من الداخل، وتمرد الجند المرتزقة النصارى في أسطوله، وتوالي العواصف القاصفة، كانت كلها عوامل فتت في عضده، وحطمت خطط دفاعه، فلم يقو طويلا على المقاومة، وأصابته السفن النصرانية بهزيمة فادحة. وتقول لنا الرواية الإسلامية إن أمير البحر أبا خروب حذر مجاهداً من دخول مياه كالياري بسفنه، ولكنه لم يأخذ بهذا


(١) أعمال الأعلام ص ٢١٩. وجذوة المقتبس ص ٣٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>