للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النصح، وكانت الريح تقذف بمراكبه تباعاً، والروم لا عمل لهم سوى قتل المسلمين وأسرهم، ومجاهد خلال ذلك يبكي (١) وهكذا تحطمت معظم سفنه وأسرت أو أغرقت، وقتل معظم أصحابه، واستولى العدو على سائر غنائمه وسبيه، وعلى أهله وحريمه وولده وفيهن نساؤه وبناته، وعليّ ولده، وجود أمه النصرانية، ولم ينج من أسطوله الضخم سوى بضع سفن، شقت به عرض البحر مسرعة. ووقعت هذه الهزيمة الساحقة على مجاهد العامري في شهر يونيه أو يوليه سنة ١٠١٦ م.

ويقدم إلينا العلامة المستشرق أماري رواية أخرى خلاصتها أن مجاهداً لبث في سردانية عاماً آخر حتى مايو سنة ١٠١٧ م، وأنه حينما سمع بأمر الأساطيل الضخمة التي جهزت لقتاله، أنشأ بالجزيرة قلعة يستعين بها على الدفاع. ولكن جنده كانوا خلال ذلك، قد سئموا المقام بالجزيرة لقلة الغنائم ورداءة الطقس، وساد بينهم التذمر. وفي شهر مايو سنة ١٠١٧ م، أقبل أسطول البيزيين. والجنويين الضخم، وعول مجاهد على الانسحاب. ولكنه حينما خرج بأسطوله وذلك في شهر يونيه، اصطدم بالأساطيل الإيطالية، وفاجأته في نفس الوقت عاصفة شديدة، أغرقت كثيراً من سفنه، واصطدم الكثير منها بالشاطىء، فسار في فلول أسطوله صوب دانية تاركاً في الأسر ولده وأخاه وزوجه (٢).

وهكذا تحطم هذا المشروع الضخم، ولم يتح للمسلمين أن يستقروا في سردانية كما أتيح لهم من قبل أن يستقروا في صقلية. ولو نجح مجاهد العامري في مشروعه، واستقر المسلمون في سردانية، لكان مرجحاً أن تزدهر بها حضارة إسلامية، كتلك التي ازدهرت في صقلية، بل وكان مرجحاً أن يطول عهد الإسلام في صقلية، وأن يتأخر سقوطها في أيدي النورمان عصوراً أخرى. ولكن المشروع ْكان في الواقع أضخم من مقدرة أمير من أمراء الطوائف، وكانت الدول النصرانية كلها تتحفز لحماية هذه الجزائر، كي تمنع انسياب الأساطيل الإسلامية إلى المياه الإيطالية، وكان في تفوق الجمهوريات الإيطالية البحري، في هذه العصور، ما يكفل تحقيق هذه الغاية (٣).


(١) راجع جذوة المقتبس ص ٣٣١.
(٢) Amari: ibid.; V.III.p.٩
(٣) راجع أعمال الأعلام ص ٢١٩ و ٢٢٠، وابن الأثير ج ٩ ص ١٠٠، وابن خلدون =

<<  <  ج: ص:  >  >>