للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أن غزو مجاهد الجرىء لسردانية، وغاراته المتكررة بعد ذلك على الشواطىء الإيطالية وشواطىء بروفانس، جعلت منه شخصية خيالية مروعة، وتفيض الروايات النصرانية المعاصرة، من إيطالية ولاتينية، في غزوات مجاهد وغاراته البحرية، وتعرفه باسم موجيتوس Mogetus أو موسيتو Museto وتحيطه بهالة من البطولة والروع.

وفي بعض الروايات أن المسلمين غزوا سردانية بعد ذلك مرتين أخريين، في سنة ١٠١٩ م، ثم في سنة ١٠٤٩ م، وذلك بقيادة مجاهد العامري أيضاً، وأن مجاهداً سقط أخيراً في أيدي النصارى، وهي رواية لا سند لها. ثم إنه يروى أيضاً أن البحارة المغامرين أو القراصنة حسبما يسمونهم، من دانية والجزائر، لبثت تتكرر غاراتهم على الشواطىء الغربية للبحر المتوسط مدة طويلة، يظللها دائماً اسم "موجيتو" أى مجاهد، على أنه ملك إفريقية. وإذا كان لنا أن نستخلص من ذلك شيئاً، فهو الروع الذي كان يبثه اسم هذا البحار الجرىء - مجاهد العامري - في ثغور البحر المتوسط الغربية، في ذلك العصر.

ومن الأسف أن الرواية الإسلامية تنقصها الإحاطة في هذا الجانب الشائق من حياة مجاهد، وهي حياته كبحار من أعظم بحاري العصر، فهي لا تقدم لنا عنه سوى نبذة يسيرة متناقضة، وهي أكثر اهتماماً بنواحيه العلمية والأدبية. وعاد مجاهد العامري من غزوته المنكوبة لسردانية، ليلقى الأمور في دانية قد اضطربت وتعقدت. ذلك أن الفقيه أبا عبد الله المعيطي، لم يحفظ العهد، ولم يرع الأمانة، فاستبد بالحكم، واغتصب السلطة لنفسه، ومحا اسم مجاهد ورسومه، وكثرت مظالمه وعيثه، وابتزازه للأموال، ومجاهرته بالمعاصي.

وما كاد مجاهد يقف على ذلك، حتى بادر بالقبض على المعيطي، ونزعه كل سلطة وصفة، واشتد في تأنيبه وتعنيفه، ثم أرسله مخفوراً إلى العدوة في سفينة أنزلته في بجاية، وهنالك لجأ إلى البربر، وعاش مغموراً حتى توفي (١).


= ج ٤ ص ١٦٤، والمقدمة ص ٢١٢. وراجع بحثاً بالإسبانية عن مجاهد العامري وعلي ابنه: Roque Chabas: Mochahid ijo de Yusuf y Ali ijo de Mochahid en (Estudios de Erudicion Oriental) Homenaje a Fr.Codera. وراجع أيضاً: Amari: ibid ; V.III.p. ٤-١٤
(١) أعمال الأعلام ص ٢٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>