وعمد مجاهد إلى تنظيم شئون مملكته، والعمل على النهوض من عثرته.
وكانت أعوص محنة يومئذ أسر ولده وأهله في سردانية، وقد استطاع أن يفتدي زوجته وبناته وإخوته في مدة قريبة. ورفضت أمه وكانت نصرانية العود إليه، وكذلك أختها، وآثرتا العيش في أرض نصرانية، فأعرض عنهما. وبقيت مشكلة ولده علي. وكان وقت أسره في سردانية طفلا في السابعة من عمره، وكان وحيده يومئذ، وكانت أمه نصرانية كذلك. وقد رفض السرادنة كل عرض لافتدائه، وأخفق كل مجهود بذله مجاهد لرده. ومضت الأعوام والغلام يعيش في الأسر بين النصارى، يربى على دين النصرانية، ويتحدث لغة القوم. وأخيراً وفق مجاهد إلى إقناع السرادنة بقبول افتدائه وإطلاق سراحه، وذلك بعد عشرة أعوام من أسره. وكانت وجهة نظر السرادنة في احتجاز الغلام على هذا النحو، هي استبقاؤه رهينة ثمينة، لمنع مجاهد من القيام بأية مغامرة أخرى، ولم يرتضوا إطلاق سراحه، إلا بعد أن دفع لهم مجاهد فدية هائلة، وقطع على نفسه أوثق العهود بأن يتركهم في سلام، وألا يعود إلى إزعاجهم بأية صورة. وخرج علي من الأسر، وهو فتى يتكلم بلسان "الروم" الذي ربي بينهم، ويتزيا بزيهم، ويعتنق دينهم. فلما وصل إلى دانية عرض عليه أبوه الإسلام، فقبله، وحسن إسلامه، وعني مجاهد بتأديبه وتثقيفه. وكان قبل افتدائه من الأسر، قد اختار لولاية عهده ولده الأصغر حسناً الملقب بسعد الدولة، ولكنه عدل عن هذا الاختيار لما آنسه في ولده الأكبر علي من مخايل الشجاعة والذكاء والعزم، فقدمه على أخيه الأصغر، وعينه لولاية عهده، وعهد إليه بقيادة الجيش. وكان لذلك فيما بعد أثره في توتر العلائق بين الأخوين (١).
- ٢ -
كانت غزوة سردانية أعظم أعمال مجاهد العامري، وهي ألمع صفحة في تاريخه. بيد أنه مذ عاد إلى دانية، قدر له أن يخوض سلسلة من الحوادث والأعمال الأخرى.
(١) أعمال الأعلام ص ٢٢١، والبيان المغرب ج ٣ ص ١٥٧. وبحث الأستاذ Chabas السالف الذكر. ويقول لنا ابن بسام إن الذي افتدى علياً من الأسر، هو أحد آل حماد أمراء بني مناد بالمغرب الأوسط، وأنه أسدى بذلك إلى والده يداً بيضاء (راجع الذخيرة القسم الرابع المجلد الأول ص ٢٠٦).