ففي سنة ٤٠٨ هـ، اجتمع رأي الفتيان العامريين، وعلى رأسهم زعيمهم خيران صاحب ألمرية، على معارضة خلافة علي بن حمود الناصر في قرطبة، والدعوة لخلافة مرشح أموي جديد هو عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله ابن عبد الرحمن الناصر، وكان قد فر خفية من قرطبة إلى جيان، فأعلن خيران بيعته، وأيده في بيعته المنذر التجيبي صاحب سرقسطة، وولاة بلنسية ودانية وطرطوشة وألبونت وغيرها، وكان ذلك في مؤتمر عقد في بلنسية، وتلقب الخليفة الجديد بالمرتضي، وأعلن الخلاف على الناصر، وسار على رأس جيش متحد من حلفائه ومؤيديه، ومنهم مجاهد العامري. والتقى جيش الفتيان وحلفائهم في ظاهر غرناطة بجيش البربر، بقيادة زاوي بن زيري الصنهاجي، فهزم جند الأندلس هزيمة فادحة، وقتل المرتضي خلال فراره (٤٠٩ هـ)، وانهارت بذلك حركة الفتيان لمعارضة خلافة البربر، وعاد مجاهد إلى دانية.
وفي خلال ذلك تطورت الحوادث في بلنسية، وكانت تحت حكم الفتيين العامريين مظفر ومبارك، فتوفي مظفر أولا ثم تبعه مبارك في حادث قتل فيه، وذلك في شهر ذي الحجة سنة ٤٠٨ هـ حسبما فصلنا من قبل في موضعه. فعندئد خلفه في حكم بلنسية الفتى لبيب العامري صاحب طرطوشة، ثم شاركه في حكمها مجاهد العامري، وكانت الخطبة تصدر باسميهما، ثم وقع الخلاف بينهما، وسخط أهل بلنسية على لبيب، لوقوعه تحت نفوذ صاحب برشلونة النصراني، ففر لبيب إلى طرطوشة، وانفرد مجاهد بحكم بلنسية، إلى جانب مملكته في دانية، واستمر على ذلك زهاء عامين، حتى اجتمع الفتيان العامريون مرة أخرى، وعقدوا البيعة لحفيد مولاهم عبد العزيز بن عبد الرحمن المنصور، وندبوه أميراً لبلنسية، وذلك في سنة ٤١١ هـ (١٠٢١ م)، وعندئذ تخلى مجاهد عن حكمها.
ْولسنا نجد بعد ذلك تفصيلا شافياً لأعمال مجاهد في الأعوام التالية، بيد أنه هنالك واقعتين واضحتين، الأولى أن مجاهداً غزا مرسية، والثانية أنه خاض حرباً مع عبد العزيز المنصور صاحب بلنسية. فأما عن الواقعة الأولى، فإنه يبدو من إشارة لابن الأبار، أن مجاهداً سار إلى غزو مرسية، وقت أن كان عليها أبو بكر بن طاهر نائباً عن زهير العامري صاحب ألمرية. ولا توضح لنا الرواية أسباب هذا الغزو، ولا تاريخه بالضبط، ولكن الظاهر أنه وقع حوالي سنة