للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد استمر صدى السخط على رسالة ابن غرسية عصوراً حتى أننا نجد كاتباً أندلسياً عاش بعد ذلك بقرنين هو أبو الحجاج يوسف بن محمد البلوي، يتناول هذه القضية، في كتابه " ألف با "، ويعقد فصلا خاصاً عن " فضل العرب "، يردد فيه ما قيل في ذلك، وما ينسب للعرب من الفروسية، والشجاعة، وحب الحرية، والإباء والجود، وفصاحة اللسان والشاعرية، وغير ذلك من الخلال المأثورة ثم يعطف على رسالة أبى عامر بن غرسية " البشكنسي الأصل "، ويقول إنه قد " فسق في رسالته وبدع، وسب بسببها وجدع "، ويعدد لنا من تصدوا للرد عليه، ممن سبق ذكرهم وذكر رسائلهم، ثم يبدي دهشته من تسامح أهل العصر، وتركهم لابن غرسية وأمثاله دون عقاب ويقول: " والعجب من أهل ذلك الزمن، كيف استقروا على هذه الفتن، وأقروا هذا المجتري على هذا الاجتراء، وما جاء به من الافتراء، أم كيف أبلغوه ريقه، وأوسعوا له طريقه ولم يهلكوه وفريقه " (١).

وقد عنى البحث الحديث بدراسة رسالة ابن غرسية والتعليق عليها، وتناولها العلامة جولدسيهر في بحثه " الشعوبية عند مسلمي اسبانيا " الذي سبقت الإشارة إليه. ويلاحظ جولدسيهر، أنه يوجد بين عظماء الأمة الأندلسية كثيرون ممن يرجعون إلى أصول غير عربية وبخاصة المولدين، ومن هؤلاء أئمة من المفكرين مثل بقي بن مخلد، والعلامة ابن حزم، وإمام اللغة، أبو مروان عبد الملك ابن السراج، وغيرهم، وكذلك كان الشأن في عنصر الصقالبة، الذي ازدهر، في ظل أمراء بني أمية، وشغل منه الكثيرون أرفع المناصب من قيادة ووزارة وغيرهما. بيد أن عنصر المولدين، كان أهم العناصر غير العربية في الأمة الأندلسية وكانت النزعة الشعوبية أكثر تمكناً لديهم من أي عنصر آخر. وتعتبر رسالة ابن غرسية من أبرز نماذج الشعوبية الأندلسية، فقد كان مؤلفها مولداً يرجع إلى أصل نصراني، وهو يردد في رسالته ما تضمنه أدب الشعوبية في الشرق الإسلامي من الأسباب والمبادىء. بيد أن رسالة ابن غرسية تمتاز بأنها في تفضيل


= نشر بمجلة جمعية المستشرقين الألمانية ( Z. der D.Morg.Gesell.) سنة ١٨٩٩ ص ٦٠١ - ٦٢٠
ونشرها الأستاذ مختار العبادي ضمن بحث له عن "الصقالبة في اسبانيا" (مدريد ١٩٥٣) ونشرها أخيراً،
ونشر معها الردود التي سبقت الإشارة إليها الأستاذ عبد السلام هارون في مجموعة نوادر المخطوطات،
(المجموعة الثالثة) (القاهرة ١٣٧٣ هـ). وقد نشرناها نحن في نهاية الكتاب.
(١) أبو الحجاج البلوي في كتابه " ألف با " ص ٣٤٧ - ٣٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>