للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العجم على العرب، تعني قبل كل شىء بالإشادة بفضائل الروم أو بني الأصفر أي النصارى، في حين أن معظم رسائل الشعوبية المشرقية تعني بالمفاضلة بين العرب والعجم (أي الفرس).

ْأما ما كتبه ابن غرسية في نهاية رسالته عن تمجيد النبي العربي، والإشادة بمآثره، ورسالته الروحية، فيصفه جولدسيهر بأنه حجاب للتمويه، وفي رأي ابن غرسية أن العروبة ليست مفخرة للنبي، " ففي الرغام يلقي تبره، والمسك بعض دم الغزال " (١).

واستمر علي إقبال الدولة في حكم مملكته زهاء ثلاثين عاماً، ثم ساءت العلائق بينه وبين صهره، حميه أحمد بن سليمان بن هود المقتدر صاحب سرقسطة. وكان المقتدر أميراً صارماً وافر الأطماع، فحارب أخوته واستولى على بعض أعمالهم، وانتزع طرطوشة من صاحبها الفتى العامري مقاتل، وحاول أن ينتزع لاردة من أخيه المظفر. ثم اتجهت أبصاره إلى مملكة دانية، وأخذ يكيد لعلي ويشتد في مضايقته. وكانت أهم الأسباب التي انتحلها لخصومته، هو أنه أي علي قد استقبل بدانية بعض الأسر القوية، التي فرت من لاردة بلد المظفر أخى المقتدر وخصيمه، ولجأت إلى حمايته. وذكر لنا ابن بسام سبباً آخر لذلك، وهو أن المقتدر طالب علياً ببعض القلاع الشمالية الواقعة في مملكته، والتي كان يريد أن يلحقها بثغر طرطوشة، وأن علياً، خشية من صولته، سلم إليه تلك القلاع، بيد أنه ضبط فيما بعد كتباً أرسلها علي إلى أصحاب تلك القلاع يحثهم فيها على التحصن والمقاومة (٢). وأخيراً سار المقتدر في قواته إلى دانية، وحاصرها، وشعر علي أنه عاجز عن مقاومته، فعرض عليه أن يسلمه المدينة والقصر بما فيه، على أن يؤمنه في نفسه وأهله، فوافق المقتدر، ودخل دانية واستولى عليها، وذلك في شعبان سنة ٤٦٨ هـ (إبريل ١٠٧٦ م). وانتهت بذلك الدولة المجاهدية.

وجلس المقتدر بالقصر، وبايعه الناس خاصتهم وعامتهم، وأقام بدانية وقتاً ينظم فيه شئونها، ثم غادرها. وأخذ المقتدر معه صهره علياً وأهله، إلى سرقسطة. وأنزله في كنفه، فعاش هنالك محجوراً عليه حتى توفي، وذلك في


(١) I.Goldziher: Die Su'ubijja unter den Mohammedanern in Spanien (Z.. der.Morg.Gesell.) B. ٥٣ (١٨٩٩) p. ٦٠٧-٦١٥
(٢) الذخيرة القسم الرابع المجلد الأول ص ٢٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>