للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أسرة سيده المخلوع علي، فأرسلت إليه، وعاشت في كنفه معززه مكرمة (١).

واستمر المرتضي بعد ذلك في حكم الجزائر أعواماً طويلة أخرى، حتى توفي سنة ٤٨٦ هـ (١٠٩٣ م).

فخلفه في الإمارة مساعده مبشر بن سليمان. ويقول لنا ابن خلدون إن مبشراً هذا، قد ولي على الجزائر في أوائل عهد علي إقبال الدولة في سنة ٤٤٢ هـ، وإنه كان من شرقي الأندلس، وأسره النصارى صغيراً وجبوه، وإن مجاهداً وقع عليه بين أسرى سردانية، فأعجب بمواهبه، وقربه واصطفاه، وترقى في خدمته (٢). وفي هذه الرواية غموض وتحريف. والحقيقة في أمر مبشر أنه كان من أهل قلعة حمير من أعمال لاردة، وأسره النصارى في صباه وجبوه، وعاش في برشلونة، حتى تعرف عليه ذات يوم سفير المرتضي حاكم الجزائر، وكان قد وفد مبعوثاً إلى الأمير برنجير في بعض الشئون، فأعجب بمواهب مبشر، وافتداه من الأسر، وأخذه إلى ميورقة وقدمه إلى المرتضي، فسر بخلاله ومواهبه، وأولاه ثقته، واستعان به في تصريف شئون الحكم، واستمر على ذلك حتى توفي المرتضي، فخلفه في الإمارة حسبما تقدم.

وضبط مبشر شئون ميورقة (الجزائر) بحزم وكفايه، واتخذ لقب ناصر الدولة. وفي تلك الأثناء كان المرابطون، بعد أن أحرزوا نصرهم في الزلاقة، قد استولوا على ممالك الطوائف الجنوبية والغربية، ثم زحفت جيوشهم نحو شرقي الأندلس، واستولت على مرسية ثم بلنسية وذلك في سنة ٤٩٥ هـ (١١٠٢ م)، كل ذلك ومبشر ماض في حكمه للجزائر، يرقب سير الحوادث حذراً متأهباً.

والظاهر أن الجزائر تمتعت في عهده بفترة من الأمن والرخاء، واشتهر أمر مبشر، وقصده الأدباء والشعراء، ووفد إليه بميورقة أبو بكر ابن اللبانة المعروف بالداني شاعر المعتمد بن عباد ووزيره من قبل، وامتدحه بقصيدة هذا مطلعها:

ملك يروعك في حلى ريعانه ... راقت برونقه صفات زمانه

وكانت حملات البحارة المجاهدين في عهده، وهم الذين تنعتهم التواريخ


(١) ابن خلدون ج ٤ ص ١٦٥، وهو ينسب هذا التصرف إلى مبشر خلف المرتضي.
(٢) ابن خلدون ج ٤ ص ١٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>