للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان السيد قد عسكر بقواته أولا تجاه مربيطر شمالي بلنسية، ثم سار بعد ذلك جنوباً إلى بلنسية، وأخضع في طريقه مربيطر، وأرغم صاحبها - ابن لبُّون - على أن يؤدي له جزية سنوية قدرها ثمانية آلاف دينار. ونزل أخيراً بجنده في " الكُدية " ضاحية بلنسية الشمالية التي يفصلها عن المدينة نهر " طوريا "، ففي الحال بعث إليه القادر بالأموال والتحف، وأبلغه أنه يضع نفسه تحت حمايته، ويؤدي له الجزية، واتفق على أن يدفع له في كل أسبوع ألف دينار، على أن يقوم بحمايته من سائر أعدائه. وقيل إن الجزية التي ارتضى القادر أن يؤديها للسيد مقابل حمايته بلغت مائة ألف دينار في العام، وهو مبلغ طائل في هذا العصر (١).

وهنا يسوغ لنا أن نتساءل عن مصدر هذه الأموال الوفيرة التي كان يغدقها القادر في كل مناسبة على السيد وغيره، ممن كان يستصرخهم لحمايته. والجواب عن ذلك أن القادر ورث عن جده المأمون صاحب طليطلة أموالا طائلة، وطائفة عظيمة من الحلي والجواهر والتحف. وكان ألفونسو ملك قشتالة حينما عاونه القادر على استرداد عرشه في طليطلة، عندما أقصته الثورة عنه، يرهق القادر بمطالبه المالية المتوالية، لما كان يعلمه من غناه الطائل، وكانت سياسة ألفونسو ترمي إلى استصفاء أموال ملوك الطوائف بطريقة إرغامهم على دفع الجزية، وغيرها من أنواع الإبتزاز السياسي والعسكري، وقد رأيناهم جميعاً يسارعون إلى الأداء، ويجمع ملك قشتالة منهم الأموال الوفيرة. وكان القادر من أكثرهم ثراء واقتداراً. وكان يخفي أموالا طائلة حملها معه حينما سار منفياً إلى بلنسية، بعد أن فقد ملكه في طليطلة، وهناك أخفاها بمنتهى الحيطة والحذر، وقد أثارت هذه الأموال الدفينة فيما بعد شره السيد، واستطاع أن يحصل عليها عقب دخوله بلنسية حسبما نفصل بعد.

وخرج السيد من مقره في " الكدية " إلى جبال ألبونت القريبة، حيث كان يحكم عبد الله بن قاسم، وعاث في أراضيه، وأرغمه على أن يدفع له جزية سنوية قدرها عشرة آلاف دينار، ثم عاد جنوباً وعسكر في بلدة "ركّانة" الواقعة غربي بلنسية. وهكذا أخضع السيد لصولته سائر إمارات هذه المنطقة:


(١) هذا ما ذكره ابن الكردبوس في روايته السالفة الذكر: Recherches; V.II.App, II.

<<  <  ج: ص:  >  >>