للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسالة السيد، وأذن له أن يجول بفرسانه حيث شاء في أراضي المسلمين (١).

ولم يكتف السيد بذلك، بل رأى بعد أن قام بعدة غارات ناهبة في الأنحاء القريبة، ودرس طبيعتها وأحوالها، أن يذهب بنفسه إلى الملك ألفونسو، ليعقد معه الإتفاق اللازم لإخضاع هذه المناطق، فسار إلى قشتالة، واستطاع أن يحصل من الملك ألفونسو على وثيقة الموافقة، وفيها يصرح للسيد ويؤكد، بأن كل الأراضي والحصون التي يستطيع السيد أن ينتزعها من المسلمين، تغدو ملكاً خاصاً له، ثم لأولاده وبناته وسائر عقبه من بعده، ميراثاً شرعياً.

وأدرك المستعين خلال ذلك، مدى نفاق السيد وغدره، وانحرافه إلى العمل لصالحه وصالح قشتالة، فقطع علائقه معه، واتجه إلى محالفة برنجير كونت برشلونة، وكان من ألد أعداء السيد، وعقدت بينهما، أواصر التحالف، وقدم المستعين إلى الكونت أموالا جزيلة، وبعثه إلى محاصرة بلنسية. ولكن القادر اعتزم أن يصمد لهذا الحصار الجديد، حتى يعود السيد من قشتالة.

وأخيراً عاد السيد من قشتالة ومعه سبعة آلاف مقاتل، ونزل بجيشه في أراضي السهلة، التابعة لابن رزين صاحب شنتمرية الشرق (مايو ١٠٨٩ م) فخرج إليه ابن رزين، وتعهد من جديد بأداء الجزية لملك قشتالة، وكان يؤديها قبل موقعة الزلاّقة، واتفق على أن تكون الجزية عشرة آلاف دينار في العام، فقبل السيد عهده، وغادر أراضي السهلة وسار بجيشه صوب بلنسية.

وغدا السيد عندئذ قائد جيش خطير من المرتزقة، أو بالحري رئيس عصابة ناهبة، تجوب أنحاء الولايات الشرقية طلباً للغنيمة والسلب، وهابه سائر الأمراء والحكام في تلك النواحي، وأخذوا جميعاً يرقبون الفرص لمقاومته وسحقه. وكان أشدهم نشاطاً في ذلك خصمه القديم الكونت برنجير أمير برشلونة، وكان الكونت يحاصر بلنسية بقواته منذ حين، والظاهر أنه حين اقترب السيد بقواته من بلنسية، وقعت بينه وبين الكونت معركة هزم فيها الكونت، وأسر مع نفر من بطانته، ولم يطلقهم السيد إلا لقاء فدية كبيرة، ثم انتهى الأمر بينهما إلى التفاهم، ورفع الكونت الحصار عن بلنسية، وعاد بجيشه شمالا إلى برشلونة.


(١) R.M.Pidal: ibid, p. ٣٥٢-٣٥٤. وقد نقل الأستاذ بيدال هذه الفقرة الأخيرة المتعلقة برسالة السيد إلى الملك ألفونسو، من أقوال ابن علقمة صاحب تاريخ بلنسية المفقود، الذي نقلت منه شذور كثيرة في التواريخ القشتالية.

<<  <  ج: ص:  >  >>