للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يجد ألفونسو ملك قشتالة لمعاقبة السيد، على مطله وغدره وخيانته، وتحطيم نفوذه البالغ، الذي أخذ يزعجه ويثير حفيظته، خيراً من أن يفتتح بلنسية، التي كان السيد في الواقع سيدها الحقيقي، وكانت أمنع معقل لسيادته ونفوذه، وأخصب مصدر لموارده، فعقد حلفاً مع جمهوريتي جنوه وبيزه، لكي يعاونانه بأساطيلهما من البحر على أخذها، ثم سار في قواته إلى بلنسية، وعسكر في جُبالة أو "كبولا" من ضواحيها، وطلب من أصحاب القواعد والحصون المجاورة أن يؤدوا إليه الجزية التي كانوا يدفعونها للسيد، وبعث إلى القادر بأن يحجز الجزية وسائر الإيرادات التي كان يتلقاها السيد. فلما علم السيد بذلك وهو في ظاهر سرقسطة، وبأن ملك قشتالة جاء لينزعه نفس المنطقة التي أعطاه إياها، اعتزم أن يقابل القوة بالقوة، وبعث إلى ألفونسو يعرب له عن دهشته واستنكاره وعن ثقته بالله، وينذره بأنه لن يصبر على تلك الإهانة بل سينتقم لها، وبأنه سوف يرى كيف أسىء نصحه وتوجيهه (١).

والواقع أنه لم يمض قليل على ذلك حتى شعر ألفونسو بحرج موقفه. وذلك ْأن السفن الجنوية والبيزية لم تأت حسبما تقرر، وقد قلت المؤن في معسكره، وأخذ يعاني الصعاب، فعندئذ أمر برفع الحصار، وغادر بلنسية لدهشة قواده وصحبه، وارتد راجعاً إلى قشتالة. وما كاد يبتعد عنها حتى أشرفت السفن الحليفة وكانت نحو أربعمائة. بيد أنها لم تستطع أن تعمل شيئاً. فغادرت بلنسية وسارت إلى طرطوشة، ولكنها استطاعت أن تصمد لها. وفضلا عن ذلك فقد أراد السيد أن ينتقم من الملك ومستشاريه، فسار نحو قلهرّة ولوجرنيو، وضرب الأراضي التابعة لرجال البلاط من خصومه، وعاث في أحواز قشتالة، واجتاح منها منطقة شاسعة، وأمعن فيها قتلا وتخريباً (٢). فعندئذ رأى ألفونسو أن يعود إلى سياسة اللين، وأصدر عفوه عن السيد، وكتب إليه بذلك، وبأنه قد رفع الحظر عن أملاكه، وسمح له بأن يعود إلى قشتالة متى شاء، فكتب إليه السيد يشكره ويرجوه ألا يصغى لنصحاء السوء. وكان ذلك في أوائل سنة ١٠٩٢ م (٤٨٥ هـ).

* * *


(١) R.M.Pidal: ibid, p. ٤١٨
(٢) رواية ابن الكردبوس السالفة الذكر في: Recherches; V.II.App.II

<<  <  ج: ص:  >  >>