للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ْوفي ذلك الحين اشتد الاضطراب في بلنسية، واعتزم البلنسيون أن يحطموا ذلك النير المرهق الذي فرضه السيد على المدينة. وكان قاضي المدينة أبو أحمد جعفر بن عبد الله بن جحّاف المعافري، يتزعم أقوى الأحزاب في المدينة، وهو الحزب المناوىء للسيد والقشتاليين بوجه عام، ويناهض الحزب " الإسباني " أو الحزب الذي يلتف حول القادر، وكان يثير في الجموع روح الثورة، ويتطلع إلى انتزاع السلطة، وكان المرابطون قد اقتربوا في ذلك الوقت من بلنسية، باستيلائهم على مرسية ودانية، ففاوض ابن جحاف قائد المرابطين ابن عائشة، ووعده بتسليم بلنسية إذا ساعده على محاربة القادر والسيد، فاستجاب ابن عائشة لدعوته، وبعث إليه سرية من الجند المرابطين بقيادة أبي ناصر المرابطي، فما كادت تدخل بلنسية حتى اشتد فيها الهرج والاضطراب، وقاد ابن جحاف جموع الثائرين، وقبض على ابن الفرج مندوب " السيد " في المدينة، واقتحم القصر، وبحث عن القادر حتى عثر به، وكان قد اختفى في بعض حمامات القصر، ومعه صندوق من الحلي والجواهر الخاصة بزوجه السلطانة زبيدة. فقتل في الحال، وحملت رأسه على رمح وطيف بها في شوارع بلنسية، وذلك في اليوم الثالث والعشرين من رمضان سنة ٤٨٥ هـ (٢٨ أكتوبر سنة ١٠٩٢ م). واحتوى ابن جحاف على طائفة عظيمة من الأموال والذخائر والتحف التي كان يحتفظ بها القادر. وآلت السلطة بذلك إلى " الجماعة ". وفي اليوم التالي، الرابع والعشرين من رمضان، اختير ابن جحاف رئيساً للجماعة، فتولى زمام الأمور، وأخذ يحشد الجند، ويحصن أطراف المدينة، ويستعد للطوارىء (١).

ولما علم السيد بهذه التطورات المزعجة، سار في الحال في قواته صوب بلنسية، وفرض المغارم والأقوات على سائر الحصون الواقعة في طريقه، ونزل في " جُبالة " (كبولا)، وهنالك اجتمع إليه أنصار الملك المقتول (أواخر سنة ١٠٩٢ م). وفي الحال ضرب الحصار حول المدينة، بعد أن أحرق ما حولها من الضياع والمروج، واستولى على معظم الأنحاء القريبة، واقتحم " الكُدية " ضاحية المدينة الشمالية، وفرض عليها سلطانه. وأنشأ ابن جحاف داخل المدينة فرقة من ثلاثمائة فارس من المرابطين وغيرهم، لتقاوم الحملات المخربة التي كان


(١) البيان المغرب ج ٣ ص ٣٠٥ و R.M.Pidal: ibid ; p. ٤٣٤

<<  <  ج: ص:  >  >>