للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والآن وقد انتهينا من تتبع حوادث مملكة بلنسية منذ قيامها في ظل الطوائف وفصلنا بهذه المناسبة أخبار السيد إلكمبيادور، مذ ظهر في كنف بني هود أصحاب سرقسطة، حتى غلب على شرقي الأندلس، ثم افتتح بلنسية، وحكمها حتى وفاته بضعة أعوام، نود أن نقول الآن كلمة عن شخصية السيد، وعن خلاله.

لقد اختلفت الآراء في تصوير السيد وتقدير بطولته. فالآداب النصرانية، والآداب القشتالية، بوجه خاص، تحاول أن تجعل منه مثلا أعلى للبطولة القومية، وتحيط تاريخه بطائفة من الأساطير المغرقة، وتذهب في بعض الأحيان إلى اعتباره، فضلا عن كونه بطلا قومياً لإسبانيا النصرانية، قديساً يحيط الجلال بسيرته، وتروي لنا أن الناس كانوا على هذا الاعتبار، يحجون إلى مزاره، ويلتمسون البركة من رفاته. وكان قد دفن أولا في دير سان بيدرو دي كاردينا على مقربة من برغش، ثم نقلت رفاته بعد ذلك إلى بناء بلدية برغش. ومما يروى في ذلك أن تابوت السيد فتح في أيام الإمبراطور شارلكان، في سنة ١٥٤١، فانتشرت منه رائحة ذكية، ووجدت الجثة ملفوفة في رداء عربي، ومعها سيف ورمح، وكان الشرق عظيماً في تلك الآونة، فما فتح التابوت حتى هطل مطر غزير، روى جميع أرجاء قشتالة. وأشد ما تبدو هذه الأساطير في الشعر، وفي الملاحم والأغاني القشتالية، التي وضع معظمها بعد وفاة السيد بنحو قرن. ففيها يصور السيد، بأنه الفارس الكامل، الشهم، الذي لا يقهر في الحرب، وبأنه مثل الوطنية الحقة، وزهرة الخلال والفضائل النصرانية. ومن أشهر الملاحم التي وضعت عن السيد، وأقربها إلى عهده، قصيدة أو ملحمة، Mio Cid ( سيدي) الشهيرة، التي كتبت بأراضي مدينة سالم بعد وفاة السيد بنحو أربعين عاماً فقط، وهي فضلا عما تحتويه من مختلف صور العصر وحوادثه وعاداته، تقدم لنا صورة كاملة لخلال السيد، وتشيد بوطنيته وإخلاصه، بالرغم من جور مليكه، كما تصف رفقه ولينه، وهو الظافر، نحو المسلمين المغلوبين، وما ينطوي عليه قلبه، وهو الفارس الأمثل، من الحب العائلي، حتى انه كان خلال المعارك، يتصور أعين زوجته خمينا وبناته، متطلعات إليه، إلى غير ذلك من الصور والنعوت (١).


(١) راجع كتاب الأستاذ بيدال، R.M.Pidal: ibid ; p. ٨

<<  <  ج: ص:  >  >>