بيد أننا إذا جردنا السيد من إغراق الأسطورة، ومن أضواء الملاحم والأغاني، وإذا أردنا أن نحكم على شخصيته من حوادث حياته، فإن الرأي المنزه المجرد من المؤثرات القومية والدينية، يحملنا في الحال على الحكم عليه، وعلى خلاله بأقسى النعوت الأخلاقية والأدبية. لقد كان السيد جندياً عظيماً، وقائداً بارعاً، ما في ذلك من ريب، ولقد أشادت الرواية الإسلامية المعاصرة ذاتها بخلاله كفارس وقائد مظفر، فيقول لنا ابن بسام مثلا في وصفه ما يأتي:" وكان هذا البائقة وقته، في درب شهامته، واجتماع حزامته، وتناهي صرامته، آية من آيات ربه ... وكان - لعنه الله - منصور العلم، مظفراً على طرائق العجم، لقي زعماءهم، ففل حد جنودهم، وقتل بعدده اليسير، كثير عديدهم، وكانت تدرس بين يديه الكتب، وتقرأ عليه سير العرب، فإذا انتهى إلى أخبار المهلب استخفه الطرب، وطفق يعجب منها ويعجب ". ويزيد ابن بسام على ذلك أنه بلغه أن السيد كان يقول، وقد طما طمعه ولح به جشعه:" على لذريق فتحت الأندلس، ولذريق يستنقذها "(١). ولكن من الحق أيضاً أن نذكر أن السيد، كان إلى جانب هذه الجرأة، والبراعة العسكرية والمغامرات المظفرة، يتصف بكثير من الرذائل والصفات الذميمة التي تأباها خلال الفروسة، فهو حسبما رأينا من وقائع حياته التي استقيناها من أوثق المصادر، ولاسيما من أعظم مؤرخيه المعاصرين الأستاذ مننديث بيدال، يبدو مغامراً لا مبدأ له ولا ذمام، يسعى إلى الكسب أينما كان، وهو يبدأ حياته في خدمة الملوك المسلمين أعداء أمته ودينه ثم يخرج عليهم، ويتنكر لهم، وهو يقطع مختلف العهود، ثم ينقضها، متى رآها عقبة في سبيل أهوائه، وهو يبيع العدو والصديق لكسب المال، ويبدو في معظم حملاته العسكرية، قاطع طريق، ورئيس عصابة ناهبة، أكثر منه قائد جيش مجاهد منظم، وهو جشع لاقتناء المال، لا يخبو له في سبيل ذلك ظمأ، وهو يناوىء مليكه وأمته، ويخرج عليه غير مرة، ويعيث في أراضي بلاده، وينتهك حرماتها، تحقيقاً لمآربه الشخصية، وأغراضه المادية. وعلى العموم، فهو يبدو مغامراً، يجمع في شخصه كل رذائل عصره، وهو بذلك أبعد من أن يبدو بطلا قومياً مثالياً، وأشد بعداً من أن يبدو قديساً خارقاً.