جندى مسلم عبر البرنيه. وكان قد ظهر ببراعته في القيادة منذ موقعة تولوشة، حيث استطاع إنقاذ الجيش الإسلامي من المطاردة عقب هزيمته ومقتل قائده السمح، والارتداد إلى سبتمانيا. وتبالغ الرواية الفرنجية في تقدير جيش عبد الرحمن وأهبته، فتقدره بأربعمائة ألف مقاتل، هذا غير جموع حاشدة أخرى صحبها لاستعمار الأرض المفتوحة. وهو قول ظاهر المبالغة. وتقدره بعض الروايات العربية بسبعين أو ثمانين ألف مقاتل، وهو أقرب إلى الحقيقة والمعقول. وقد أثارت هذه الغزوة الإسلامية الشهيرة، وهذا الجيش الضخم، خيال الشاعر، الأوربي الحديث، فنرى الشاعر الإنجليزي سوذي يقول في منظومته عن ردريك آخر ملوك القوط.
" جمع لا يحصى.
" من شأم وبربر وعرب، وروم خوارج.
" وفرس وقبط وتتر عصبة واحدة.
" يجمعها إيمان، هائم راسخ الفتوة.
" وحمية مضطرمة، وأخوة مروعة.
" ولم يك الزعماء،
" أقل ثقة بالنصر، وقد شمخوا بطول ظفر
" يتيهون بتلك القوة الجارفة،
" التي أيقنوا أنها كما اندفعت،
" حيثما كانوا بلا منازع، ستندفع ظافرة إلى الأمام،
" حتى يصبح الغرب المغلوب كالشرق،
" يطأطىء الرأس إجلالا لاسم محمد،
" وينهض الحاج من أقاصي المنجمد،
" ليطأ بأقدام الإيمان، الرمال المحرقة،
" المنتثرة فوق صحراء العرب وأراضي مكة الصلدة " (١).
ونفذ عبد الرحمن في جيشه الزاخر إلى فرنسا، في ربيع سنة ٧٣٢ م (أوائل سنة ١١٤ هـ)، واقتحم وادي الرون وولاية أكوتين، وشتت قوى الدوق أودو، وأشرف بعد هذا السير الباهر على ضفاف نهر اللوار. وتقول بعض الروايات
(١) Southy: Roderic the last of the Goths