هكذا كانت مملكة الفرنج والمجتمع الفرنجي في أوائل القرن الثامن، أعني حينما انساب تيار الفتح الإسلامي من اسبانيا إلى جنوبي فرنسا. وكان قد مضى منذ وفاة النبى العربي، إلى عهد هذا اللقاء الحاسم بين الإسلام والنصرانية (سنة ٧٣٢ م)، مائة عام فقط. ولكن العرب كانوا خلال هذا القرن، قد افتتحوا جميع الأمم الواقعة بين السند شرقاً والمحيط غرباً، واكتسحوا العالم القديم، في فيض مدهش من الظفر الباهر، واستولوا على جميع أقطار الدولة الرومانية الجنوبية، من الشأم إلى أقاصي المغرب واسبانيا، وعبروا البرنيه إلى أواسط فرنسا، هذا بينما أنفقت القبائل الجرمانية الشمالية، أكثر من ثلاثة قرون في افتتاح أقطار الدولة الشمالية، ومحاولة الاستقرار فيها. وبينما قامت الدولة الإسلامية ثابتة وطيدة الدعائم، وقامت في جميع أقطار الخلافة حكومات محلية قوية، ومجتمعات إسلامية مستنيرة، وجيوش غازية منظمة، إذا بمعظم القبائل الجرمانية غزاة رومة من الشمال، ما يزال إذا استثنينا مملكة الفرنج، على حاله كل من البداوة والتجوال والتفرق. وكان الفرنج هم قادة القبائل الجرمانية في هذا الصراع، الذي نشب في سهول فرنسا، وآذن طوره الحاسم بعبور المسلمين إلى فرنسا في ربيع سنة ٧٣٢ م. وكان سيل الفتح الإسلامي، ينذر باجتياح فرنسا منذ عشرين عاماً، أعني مذ عبر المسلمون جبال البرنيه بقيادة موسى بن نصير لأول مرة واستولوا على سبتمانيا، ثم اقتحموا بعد ذلك وادي الرون وأكوتين غير مرة. ولكن مملكة الفرنج كانت يومئذ تشغل بالمعارك الداخلية، وتقتتل حول السلطان والرياسة، حتى ظفر كارل مارتل بمنصب محافظ القصر، وأنفق أعواماً أخرى في توطيد سلطانه، بينما كان خصمه ومنافسه أودو أمير أكوتين، يتلقي وحده ضربات العرب. فلما استفحل خطر الفتح الإسلامي، وانساب نحو الشمال حتى برجونية، فزع الفرنج وهبت القبائل الجرمانية في أوستراسيا ونوستريا لتذود عن سلطانها وكيانها.
وكان الخطر داهماً حقيقياً في تلك المرة، لأن المسلمين عبروا البرنيه عندئذ في أكبر جيش حشد، وأتم أهبة اتخذت منذ الفتح. وكان على رأس الجيش الإسلامي قائد وافر الهمة والشجاعة والمقدرة هو عبد الرحمن الغافقي، وهو أعظم
= ففيه استعراض حسن لأحوال المجتمع الجرماني في هذا العصر، وعرض شائق لحوادث موقعة تور. وراجع أيضا Zeller: Hist.de l'Allemagne, p. ٦٧.