للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي أيام المنصور بن أبي عامر، شعر بنو تجيب بما يهدد سيادتهم في الثغر من اتجاه المنصور إلى القضاء على سلطان الأسر العربية، وزعامتها المحلية، فحاول زعيمهم يومئذ وهو عبد الرحمن بن مطرِّف التجيبي، صاحب سرقسطة أن يسعى إلى إزالة المنصور بالتآمر مع ولده عبد الله. وقد فصلنا أخبار هذه المؤامرة فيما تقدم من أخبار الدولة العامرية (١)، وبينا كيف استطاع المنصور أن يقبض على عبد الرحمن التجيبي، وعلى عبد الله، ثم قضى بإعدامهما، بيد أنه مع ذلك ندب لحكم سرقسطة، يحيى بن عبد الرحمن التجيبي استبقاء لولاء الأسرة جرياً على سياسة أسلافه، وذلك في سنة ٣٧٩ هـ (٩٨٩ م).

واستمر يحيى التجيبي في حكم سرقسطة وأعمالها حتى وفاته في سنة ٤٠٨ هـ (١٠١٧ م)، وشهد قبل وفاته اضطرام الفتنة، وانهيار الخلافة، وتمزق الأندلس، وكان جل عنايته في تلك الآونة العصيبة أن يحافظ على بلاده من عدوان النصارى، وأن يوطد سلطانه في مملكته النائية المنعزلة عن مسرح الحوادث. ولما توفي، خلفه ولده المنذر بن يحيى التجيبي.

ويمكننا أن نعتبر المنذر بن يحيى التجيبي أول أمير للثغر في عهد الطوائف.

حكم سرقسطة وأعمالها، وتسمى بالحاجب ذي الرياستين، وتلقب من الألقاب السلطانية بالمنصور، ولما تطورت الحوادث في قرطبة ودخلها علي بن حمود بحجة إنقاذ الخليفة هشام المؤيد، ودعا لنفسه بالخلافة، كان المنذر بن يحيى إلى جانب خيران وزملائه الفتيان العامريين في معارضته ومقاومته. ولما رشح هؤلاء للخلافة عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن الناصر، وتلقب بالمرتضي، وساروا معه هم وأنصارهم في قواتهم لمقاتلة البربر، وخلع علي بن حمود، سار معهم المنذر بن يحيى في بعض قواته، ومعه فرقة من المرتزقة النصارى بقيادة حليفه الكونت رامون أمير برشلونة، وكان من ضباطه في تلك الحملة رجل كان له فيما بعد أكبر شأن في تطور الحوادث في الثغر الأعلى هو سليمان بن هود.

ونحن نعرف ما أسفرت عنه المعركة التي اضطرمت يومئذ في ظاهر غرناطة بين القوات الأندلسية، وجيش البربر بقيادة زاوي بن زيري الصنهاجي، وكيف


(١) راجع " دولة الإسلام في الأندلس " (العصر الأول).

<<  <  ج: ص:  >  >>