للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولئك الملوك النصارى، وكف عاديتهم عن بلاده، بل لقد استطاع أن يحملهم على اتباع سياسة الموادعة والسلم مع جيرانهم من الملوك المسلمين. ومن ثم فقد تمتعت سرقسطة في عهده القصير بفترة من الدعة والرخاء، وغدت باتساع عمرانها وتقدم أحوالها، شبيهة بحضرة قرطبة الكبرى أيام الجماعة، وأدرك الناس بعد وفاته، بعد نظره وحسن تقديره للعواقب (١).

وكان المنذر فوق ذلك يعشق الأبهة والبذخ، فملأ قصره الفخم بالجواري والغلمان والحشم، ونفيس الذخائر والتحف، وكان يتحف أصدقاءه ملوك النصارى بالهدايا الفاخرة، ويؤكد بذلك مودتهم ورضاهم وكان بين وزرائه بعض أكابر كتاب العصر، مثل أبى العباس بن مروس من تدمير، وأبى عامر ابن أزرق، وابن واجب وغيرهم.

وأنشأ شاعر العصر أبو عمر بن درّاج القسطلي في مديح المنذر حينما وفد عليه قصيدته المشهورة التي مطلعها:

ْبشراك من طول الترحل والسُّرى ... صبح بروح السَّفر لاح فأسفرا

من حاجب الشمس الذي حجب الدجى ... فجرا بأنهار الندى متفجرا

ومنها:

فلئن تركت الليل فوقي داجياً ... فلقد لقيت الصبح بعدك أزهرا

وحللت أرضاً بُدلت حصباؤها ... ذهباً يرف لناظريّ وجوهرا

ضربوا قِداحهم عليّ ففاز بي ... من كان بالقِدْح المعلّى أجدرا (٢)

ولما توفي المنذر، خلفه ولده يحيى، وتلقب بالمظفر، وحكم سرقسطة وأعمالها بضعة أعوام أخرى، وتوفي سنة ٤٢٠ هـ (١٠٢٩ م). والظاهر أنه لم يحكم سياسة الصداقة التي كان يتبعها أبوه مع جيرانه أمراء برشلونة، حيث أغار صاحبها الكونت رامون بوريل على بعض أطراف مملكته، واضطر أن ينزل له عن بعض القلاع والحصون.

وخلفه في الملك ولده المنذر بن يحيى، وتلقب بالحاجب معز الدولة.

ولسنا نعرف شيئاً عن أعمال هذا الأمير في المدة التي حكمها، وهي نحو عشرة


(١) البيان المغرب ج ٣ ص ١٧٦ و ١٧٧، وابن خلدون ج ٤ ص ١٦٣. وراجع دوزي Recherches, V.I.App.XIV & XVII
(٢) وهي قصيدة طويلة رائعة. وقد وردت في ديوان ابن دراج الذي سبقت الإشارة إليه ص ١٢٤ - ١٣٠. وأورد لنا ابن بسام في الذخيرة منها مقتطفات طويلة (الذخيرة - القسم الأول المجلد الأول - ص ٥٦ - ٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>