أعوام. بيد أن لدينا تفاصيل مقتله، وذهاب ملك بني تجيب على يده. وكان ذلك في غرة ذي الحجة سنة ٤٣٠ هـ (أغسطس ١٠٣٩ م) حينما نفذ إلى قصره في ذلك اليوم رجل من بني عمومته وقواده يدعى عبد الله بن حكيم، جاء بزعم السلام عليه، وكان يضمر له السوء منذ بعيد. وكان المنذر يجلس بين نفر قليل من خدمه الصقالبة، وليس عليه إلا غلالة، وهو يقرأ في كتاب في يده، فانقض عليه وطعنه في عنقه بسكين كان قد أعده، فقطع أوداجه، وفر الخدم في الحال ولم يبق منهم إلا خادم واحد شهم حاول الدفاع عن سيده، فصرعه عبد الله بخنجره ثم أجهز على منذر، واحتز رأسه، وأبرزها من غرفة في القصر مرفوعة على عصا، وهو يصيح هذا جزاء من عصى أمير المؤمنين هشاماً، يريد بذلك الدّعي الذي نصبه القاضي ابن عباد في إشبيلية، وزعم أنه الخليفة هشاماً المؤيد، وذلك في سنة ٤٢٦ هـ (١٠٣٥ م)، واعترف بخلافته عدد من أمراء الطوائف، ورفض يحيى التجيبي يومئذ الاعتراف به، وتابعه في ذلك ولده المنذر. ولما شهد الناس رأس منذر بهتوا وعقد الذعر ألسنتهم، وأرسل القاتل في الحال إلى القاضي والأعيان، فحضروا إلى القصر والقاتل جالس على فراش قتيله، وجثة منذر مضرجة بدمائها ملقاة إلى جانبه، فأعلن لهم أنه فعل ما فعل في سبيل الإصلاح العام، ودعا بالحكم لسليمان بن هود، وقيل بل دعا لنفسه واختاره بنو عمه للولاية فانصرف الناس، وقد بيتوا القضاء عليه.
وفي تلك الأثناء كان نبأ مصرع المنذر بن يحيى التجيبي قد ذاع في كل مكان، وهرع خاله إسماعيل بن ذى النون صاحب طليطلة إلى سرقسطة لتدارك الأمر، واشتد الهرج في سرقسطة، وكادت تعصف بها الفتنة، وهجم الناس على القصر لانتزاع القاتل ومعاقبته، فتحصن بالقصبة، وصمم على الدفاع عن نفسه، بيد أنه لما أيقن أنه سوف يقع في أيدي مهاجميه لا محالة، جمع ما استطاع من ذخائر القصر وتحفه، وخرج هارباً من باب خلفي في القصر، ولحق بقلعة روطة أحد معاقل سرقسطة المنيعة، وكان قد أعدها لذلك بمعاونة نفر من صحبه، وحمل معه في نفس الوقت أخوين للمنذر، وبعض أعيان منهم وزيره أبو المغيرة بن حزم، في الأصفاد ليكونوا رهائن لديه، واقتحم العامة قصر سرقسطة ونهبوه وخربوه، وعم الهرج والفوضى.