أنه لا يستطيع إرسال هذه الأمداد إلى تطيلة عن طريق سرقسطة خوفاً من غدر أخيه، ففاوض غرسية ملك نافار، وبعث إليه مالا لكي يسمح بمرور هذه المؤن عبر أراضيه إلى تطيلة، فأجابه إلى طلبه. وعلم أحمد بذلك فبعث سراً إلى غرسية، يبذل له ضعف الأموال التي بعثها إليه أخوه، على أن يمكنه من الفتك بقافلة المؤن حين مرورها داخل أرضه، فاستجاب الملك النصراني إلى ذلك الإغراء الدنىء، وتم ما دبره أحمد. ذلك أن قافلة المؤن، وكانت تتكون من بضع آلاف من الجند، وعدد كبير من الخيل والدواب، ما كادت تجوز أراضي نافار، شمالي شرقي تطيلة، حتى دهمتها قوات أحمد المقتدر التي رتبها بممالأة غرسية، وفتكت بها، وأبيد معظم رجالها قتلا وأسراً، واستولى النصارى على أسلابهم، وما كان معهم من المؤن، ولم ينج منهم سوى القليل، وكانت واقعة شنيعة تنبىء عما كانت تنطوي عليه طبيعة أحمد المقتدر من صفات الغدر والاستهتار. وكان من أثرها، أن ضعف أمر يوسف، وتوطد سلطان أحمد، واشتد بأسه، وهابه الناس، واسترد القواعد التي كانت تحت يده (١).
وكانت ضربة المقتدر التالية، استيلاؤه على ثغر طرطوشة. وكان هذا الثغر الذي يعتبر مخرج سرقسطة إلى البحر، اذا استثنينا ثغر طرّكونة الواقع على حدود إمارة برشلونة، والذي كان من أعمال لاردة، كان منذ عهد الفتنة بيد بعض الفتيان العامريين. وكان أول من استولى عليها منهم وحكمها لبيب العامري، وكان حازماً قوي البأس، وحاول المنذر بن يحيى التجيبي أن ينتزعها منه فاستغاث بمبارك صاحب بلنسية فأمده بجنده، ورد عنها المنذر، ولما توفي مبارك في سنة ٤٠٨ هـ، خلفه لبيب في حكم بلنسية بدعوة من أهلها، ولما اختلف على ذلك مع زميله مجاهد العامري، عاد إلى طرطوشة واستمر في حكمها حتى توفي في ٤٣٣ هـ (١٠٤١ م)، فخلفه في الحكم فتى آخر من الصقالبة العامريين يدعى مقاتل، وتلقب بسيف الملك، واستمر في حكمها حتى وفاته في سنة ٤٤٥ هـ (١٠٥٣ م). فخلفه الفتى يعلي من موالي العامريين أيضاً، ثم حكمها من بعده الفتى نبيل. وكان المقتدر بن هود أثناء ذلك ينظر إلى سيطرة أولئك الفتيان الصقالبة على طرطوشة بعين السخط، ويتحين الفرص لانتزاع هذا الثغر