للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الهام من أعمال مملكته. وأخيراً سنحت هذه الفرصة، حينما اضطرمت طرطوشة ضد الفتى نبيل بالثورة وزحف عليها المقتدر في قواته فسلمها إليه نبيل في الحال وخرج عنها، وانتهت بذلك دولة الفتيان الصقالبة بها (٤٥٢ هـ - ١٠٦٠ م) (١).

* * *

على أن أعظم حادث أو بعبارة أخرى أعظم محنة نزلت بالمسلمين في عهد المقتدر بن هود، هو غزو النورمانيين لمدينة بربشتر (٢)، وفتكهم بأهلها أشنع وأفظع ما سجلت صحف التاريخ. وقد دون لنا ابن حيان، وكان يعيش في قرطبة وقت وقوع هذه المحنة، تفاصيلها بإسهاب، وبعبارات مؤثرة مبكية. ذلك أن حملة كبيرة من النورمانيين (أو الأردمانيين في الرواية العربية) تقدرها الرواية بعشرة آلاف فارس، بقيادة جيوم دي مونري، نزلت بشاطىء قطلونية وسارت نحو الشرق مخترقة أراضي مملكة سرقسطة الشمالية. وقد اختلفت الرواية في تكييف ظروف هذه الحملة وفي مصدر قدومها، وفيمن نظمها وقادها. بيد أنه يستخلص من مختلف الروايات الخاصة بها، أنها حشدت في ولاية نورمانديا الفرنسية، حيث كان النورمان قد استقروا بها قبل ذلك العصر بموافقة ملك فرنسا، وأن أولئك النورمان خرجوا عندئذ في طلب المغامرة والكسب ومعهم جموع كبيرة من الفرسان الفرنسيين. أما قائد الحملة فهو الفارس جيوم دي مونري. وكان جيوم دي مونري هذا من أكابر فرسان عصره، وقد وفد قبل ذلك على إيطاليا في أواسط القرن الحادي عشر، وخدم الكرسي الرسولي حتى أصبح قائد الجيوش الرومانية والبابوية. أما بواعث قيادته لهذه الحملة، ولماذا قصدت إلى شاطىء قطلونية، فمما يحيط به الغموض. على أنه يبدو من جميع الظروف أنها كانت من الحملات الناهبة التي تستتر بالصفة الصليبية، والتي تقصد العيث والنكاية، والغنم والسبي في أراضي المسلمين أينما كانت. ويؤيد البحث الحديث هذه الصفة الصليبية للحملة، ويقول لنا إن الذي دفع إلى إعدادها هو البابا اسكندر الثاني (٣). والرواية الإسلامية صريحة واضحة في أن هذه الحملة قد قدمت


(١) البيان المغرب ج ٣ ص ٢٥٠ و ٣٠٢، وابن خلدون ج ٤ ص ١٦٣. وكذلك: P.y Vives: Los Reyes de Taifas ; p. ٣٨ & ٣٩
(٢) هي بالإسبانية: Berbastro
(٣) I.de las Cagigas: Los Mozarabes p. ٤٥٣

<<  <  ج: ص:  >  >>