للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقدرته السياسية والعسكرية التي رأيناها تبدو في كثير من أعماله ومشاريعه، وبالرغم مما كانت تنطوي عليه هذه المشاريع والأعمال أحياناً من صفات سيئة، يتمتع بكثير من الخلال البديعة، فقد كان أميراً عظيماً يحيط نفسه بجو من المهابة والروعة، وكان بلاطه من أعظم قصور الطوائف وأفخمها، وكان يحيط نفسه بطائفة من أشهر العلماء والكتاب في عصره، ومن هؤلاء العلامة الفقيه أبو الوليد الباجي، ووزيره أبو المطرف بن الدباغ، ووزيره الكاتب اليهودي المسلم أبو الفضل ابن حسداي السرقسطي، وكان كلاهما من أعلام عصره في البلاغة والأدب.

بل كان المقتدر نفسه من علماء عصره، وكان يشغف بدراسة الفلسفة والرياضة والفلك، وقد كتب كتباً في الفلسفة والرياضة (١). وكان قصر المقتدر وهو المسمى بقصر " الجعفرية "، نسبة إلى كنيته، وهي " أبو جعفر "، من أعظم وأفخر القصور الملكية في ذلك العصور، وقد اشتهر في تاريخ الفن الإسلامي باسم " دار السرور "، وكان أروع ما فيه بهوه الرائع الذي زينت جدرانه بالنقوش والتحف الذهبية البديعة، والذي كان يسمى لذلك بالبهو الذهبي، أو مجلس الذهب.

وفيه يقول منشؤه المقتدر:

قصر السرور ومجلس الذهب ... بكما بلغت نهاية الطرب

لو لم يحز ملكي خلافكما ... لكان لدي كفاية الأرب

ولما سقطت سرقسطة في يد الإسبان شوهت معالم هذا القصر البديع، وأدخلت فيه تعديلات وتغييرات عديدة قضت على محاسنه وزخارفه العربية. وما زالت بقاياه الدارسة تقوم حتى اليوم في قلب مدينة سرقسطة باسم قصر الجعفرية Palacio Aljaferia، وقد شهدناه خلال زيارتنا لسرقسطة، ولم يبق من بنائه الإسلامي سوى بقية مشوهة من مسجده السابق.

وكان المقتدر فوق شغفه بالعلوم، أديباً ينظم الشعر، وقد نسب إليه الحجاري صاحب المسهب قوله:

لست لدى خالقي وجيهاً ... هذا مدى دهري واعتقادي

لو كنت وَجْهاً لما براني ... في عالم الكون والفساد (٢)


(١) Dozy: Histoire ; Vol.III.p. ١٦٣ - R. M. Pidal: ibid, p. ٢٨٢
(٢) راجع المغرب في حلي المغرب (القاهرة) ج ١ ص ٤٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>