للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسارا في قواتهما لمحاربة السيد، والتقى الفريقان في أحواز موريلا على مقربة من طرطوشة، فهزم المنذر وحليفه، واستولى السيد على معسكرهما، وعلى كثير من الأسرى. واستقبل السيد عند عوده المظفر إلى سرقسطة أجمل استقبال.

وعلا شأن السيد في بلاط سرقسطة، وتوطدت مكانته، واشتد نفوذه على المؤتمن. فكان لا يبرم أمراً من أعمال الحرب أو السياسة دون مشاورته، وغدا بجيشه الصغير قوة يحسب حسابها، بل غدا كأنه يفرض بحلفه ومعاونته على سرقسطة نوعاً من الحماية. وقد أشرنا فيما تقدم من أخبار مملكة بلنسية إلى هذه المكانة الممتازة التي أحرزها السيد في بلاط سرقسطة، وإلى الحملة اللاذعة التي شهرها ابن بسام من أجل ذلك على بني هود (١)، كما أشرنا إلى ما كان يجيش به المؤتمن من الأطماع نحو مملكة بلنسية، وما قدمه من المال إلى ملك قشتالة لأجل معاونته في هذا المشروع وكيف استطاع أبو بكر بن عبد العزيز صاحب بلنسية بلباقته أن يحبط هذا المشروع وأن يعقد صلات الود والمصاهرة مع المؤتمن بتزويج ابنته من ولد المؤتمن، أحمد المستعين.

ولم يدم حكم المؤتمن أكثر من أربعة أعوام، إذ توفي في سنة ٤٧٨ هـ (١٠٨٥ م). وكانت وفاته السريعة ضربة قاضية لمشاريعه، فخلفه في حكم سرقسطة وأعمالها، ولده أحمد، وتلقب بالمستعين، وبقى الشق الآخر من مملكة سرقسطة بيد عمه المنذر.

وقد اشتهر يوسف المؤتمن بصفاته العلمية، أكثر من اشتهاره بصفاته الملوكية ْفكان مثل أبيه المقتدر عالماً رياضياً، وفلكياً ممتازاً، وكتب في العلوم الرياضية، رسالته المسماة " الإستكمال " (٢)، التي ترجمت إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر الميلادي، والتي توصف بأنها ترتفع من حيث قيمتها العلمية إلى مستوى إقليدس والمجسطي. بيد أن هذه الرسالة الملوكية لم تصل إلينا مع الأسف بأصلها العربي.

خلف المؤتمن ولده أحمد المستعين، ويعرف بالمستعين الأصغر. وما كاد يبدأ حكمه حتى ألفى نفسه أمام حدث خطير. ذلك أن ألفونسو السادس ما كاد ينتهي من الاستيلاء على طليطلة وتنظيم شئونها، وذلك في صفر سنة ٤٧٨ هـ (مايو ١٠٨٥ م)


(١) الذخيرة القسم الثالث المخطوط لوحة ١٨ ب.
(٢) ابن خلدون ج ٤ ص ١٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>