للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى اعتزم العمل لانتزاع سرقسطة، فسار إليها في قواته، وضرب حولها الحصار، وأقسم أنه لن يبرحها حتى تؤول إليه أو يموت. وحاول المستعين أن يرده عن عزمه، وأن يقنعه برفع الحصار، فعرض عليه أموالا جليلة فرفض ألفونسو، وأصر على أخذ المدينة (١)، وأذاع عماله في سكان الأراضي المجاورة أنه سوف يطبق أحكام القرآن، ولن يقتضي منهم الضرائب إلا ما يجيزه الشرع، وأنهم سوف يكونون مثل إخوانهم مسلمي طليطلة موضع عنايته ورعايته.

واستمر ألفونسو على حصار سرقسطة حتى جاءته الأنباء في أواخر صيف ١٠٨٦ م، (أوائل ٤٧٩ هـ) بمقدم المرابطين، وأنهم عبروا إلى الأندلس، فحاول عندئذ خديعة المستعين، معتقداً أنه لم يعلم بالنبأ العظيم، وبعث إليه يقول إنه يقبل الجزية التي عرضها، فأجاب المستعين، وكان على علم به، أنه لن يدفع إليه درهماً واحداً (٢).

وعندئذ اضطر ألفونسو أن يرفع الحصار، وأن يهرع في قواته إلى الجنوب، بعد أن بعث بصريخه إلى أمراء الثغر النصارى ليلحقوا به في قواتهم. ثم كانت واقعة الزلاّقة، وهزيمة ألفونسو الساحقة، أمام القوات المرابطية والأندلسية المتحدة في رجب سنة ٤٧٩ هـ (أكتوبر ١٠٨٦)، فضعف أمر قشتالة والملوك النصارى، وانصرف المستعين حيناً إلى محاربة عمه المنذر صاحب لاردة ودانية طوراً، ومحاربة ملك أراجون طوراً آخر. بيد أنه لم يظفر من وراء هذه المعارك بطائل، وكانت الهزيمة نصيبه في معظم الأحيان.

وأخذ المستعين بعد ذلك يتطلع إلى الاستيلاء على بلنسية، منافساً في ذلك لعمه المنذر. وقد فصلنا فيما تقدم من أخبار بلنسية مشاريع المستعين ومحاولاته في هذا السبيل، ومغامرات حليفه " السيد "، وكيف تظاهر في البداية بمعاونته على تحقيق مشروعه، ثم أضناه بعد ذلك بمخادعاته وأساليب غدره، وكيف حاول بعد ذلك أن يستعين بمحالفة برنجير كونت برشلونة على محاصرة بلنسية وأخذها، وقد فشلت أيضاً هذه المحاولة، وانتهى الأمر بأن غدا السيد وحده هو المسيطر على هذا الميدان، وهو المستأثر بتتبع الحوادث في بلنسية، وترقب فرص الاستيلاء عليها، كل ذلك حسبما فصلناه من قبل تفصيلا شافياً.


(١) روض القرطاس ص ٩٣.
(٢) R.M.Pidal: ibid ; p. ٣٣١

<<  <  ج: ص:  >  >>