وما كاد المستعين ينتهي من هذه المشاريع الفاشلة، حتى بدا الخطر على مملكة سرقسطة داهماً من ناحيتين: ناحية جيرانها النصارى من الشمال، وناحية المرابطين من الجنوب. فأما عن الشمال، فقد بدأ سانشو راميرز ملك أراجون بالاستيلاء على منتشون في سنة ٤٨١ هـ (١٠٨٩ م)، واضطر المستعين عندئذ أن ينضوي تحت حماية ألفونسو ملك قشتالة، وأن يتعهد بأداء الجزية التي أباها من قبل.
ولم تمض بضعة أعوام على ذلك حتى بدت مشاريع ملك أراجون أكثر خطورة.
وذلك أنه قصد إلى مدينة وشقة، وهي ثاني مدينة في مملكة سرقسطة، وابتنى إزاءها حصناً، وكان من الواضح أنه يبغى الاستيلاء على هذه المدينة الهامة.
والظاهر أن المستعين قد أدرك عندئذ أن الاعتماد على معاونة النصارى لا يحقق له ما يطمح إليه من السلامة، ورأى أن الاتجاه إلى معاونة المرابطين وهم أبناء دينه قد يغدو أنجع، ولو أنه كان يتوجس من نياتهم ومشاريعهم نحو سرقسطة. ومن ثم فقد أرسل ولده عبد الملك إلى أمير المسلمين يوسف بن تاشفين بالمغرب ومعه هدية جليلة، وبعث إليه يطلب العون والإنجاد على مدافعة النصارى، وإنقاذ وشقة، وهي جناح سرقسطة الدفاعي، ودرعها من الشمال. والظاهر أن أمير المسلمين قد أدرك من جانبه أهمية الاستجابة لصريخ المستعين، ومنعه بذلك من الارتماء في أحضان النصارى ومحالفتهم في النهاية ضد المرابطين، وأدرك في نفس الوقت حكمة الإبقاء على سرقسطة وإنجادها لتبقى بذلك حاجزاً بين المرابطين وبين النصارى، فاستقبل عبد الملك بترحاب، وصرفه صرفاً جميلا، ورد على المستعين بخطاب رقيق، وبعث إلى ولاته في شرقي الأندلس بإرسال المدد المنشود، وكان يتألف من ألف فارس وستة آلاف راجل من المرابطين. ولم ير المستعين في نفس الوقت بأساً من الاستعانة بملك قشتالة، فأمده بفرقة من جنده بقيادة الكونت غرسية أردونس الذي تجاور ولايته مملكة سرقسطة.
وفي تلك الأثناء كان سانشو راميرز قد سار إلى مدينة وشقة وضرب حولها الحصار، مصمماً على ألا يبرحها حتى تسقط في يده. وكانت وشقة من أمنع ْقلاع الثغر الأعلى، فصمدت للحصار بعزم وشدة، ثم توفي سانشو راميرز فجأة، وذلك في شهر يونيه سنة ١٠٩٤ م (جمادى الأولى سنة ٤٨٧ هـ)، فاستمر في متابعة الحصار ولده بيدرو الأول. وتوالت الأشهر، ووشقة صامدة كالصخرة.