وبعث أهل وشقة في نفس الوقت بصريخهم إلى ملكهم أحمد بن هود المستعين، فجهز حشوداً عظيمة، وأعد لها قوافل الميرة الضخمة، وأمده حليفه ملك قشتالة بفرقة من الجند النصارى فسار المستعين في قواته حتى اقترب من وشقة، وكان يظن أن العدو متى رأى حشوده، وآنس وفرتها وحسن استعدادها، يعمد إلى المهادنة ويترك المدينة المحصورة وشأنها، ولكن بيدرو عول بالعكس على خوض المعركة، فترك الحصار، وسار في قواته لملاقاة المسلمين، ونشبت بين الفريقين معركة عنيفة، في " الكرازة " الواقعة على مقربة من وشقة، استمرت من طلوع الشمس إلى غروبها، واشتد فيها الطعان من الجانبين، وكثر القتل بين المسلمين وحلفائهم، وهزم المستعين في النهاية هزيمة شديدة. وقتل من المسلمين عدد جم تقدره الرواية باثنتي عشر ألفاً أو نحوها، وكان بين القتلى غرسية أردونس قائد جند قشتالة، وتضع الرواية الإسلامية تاريخ هذه المعركة في يوم الأربعاء أواخر ذي القعدة سنة ٤٨٩ هـ، وتضع الرواية النصرانية هذا التاريخ في ١٨ نوفمبر سنة ١٠٩٦ م، وهو يوافق بالفعل شهر ذي القعدة، الذي تحدده الرواية الإسلامية. وتقول الرواية الإسلامية، إن أهل وشقة لما عاينوا هزيمة المسلمين، يئسوا من النصرة، والإنقاذ، لم تمض على ذلك ثلاثة أيام حتى حصلوا على الأمان. وسلمت وشقة للنصارى بعد حصار دام ثلاثين شهراً، ودخلها بيدرو في موكبه الظافر، وفي الحال صير مسجدها الجامع كنيسة، وجعلها عاصمة لمملكة أراجون (١).
هذا عن حوادث الشمال، وأما عن حوادث الجنوب، فقد عبر أمير المسلمين يوسف بن تاشفين إلى الأندلس للمرة الثانية في سنة ٤٨١ هـ (١٠٨٨ م) وقام بالاشتراك مع قوات الأندلس بمحاصرة حصن لييط، وانتهى بالاستيلاء عليه. ثم عاد فعبر إلى الأندلس للمرة الثالثة في سنة ٤٨٣ هـ (١٠٩٠ م)، وفي تلك المرة استولى على ممالك الطوائف الجنوبية والغربية، غرناطة، وإشبيلية، وألمرية، ثم
(١) نقلنا أقوال الرواية الإسلامية عن معركة وشقة من أوراق مخطوطة من البيان المغرب عثرنا بها في خزانة القرويين بفاس. وراجع في حوادث سقوط وشقة وما تقدمها: أعمال الأعلام ص ١٧٣، والحلل الموشية ص ٥٣ - ٥٥، وتاريخ المرابطين والموحدين لأشباخ وترجمة محمد عبد الله عنان (ص ١٠٤ و ١٠٥) وابن خلدون ج ٤ ص ١٦٣. وراجع أيضاً: P.y Vives. Los Reyes de Taifas p. ٤٩ و R.M.Pidal: ibid, p. ٥٢٦ & ٥٢٧