للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجدر بنا أن نقف الآن قليلا لنلقي بعض الضوء على أصل أولئك المرابطين، الذين شملت دولتهم الكبرى، في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري، سائر أنحاء المغرب من لوبية إلى المحيط غرباً، وإلى السودان جنوباً، والذين استجابوا إلى صريخ ملوك الطوائف، وعبروا البحر إلى شبه الجزيرة الإسبانية نصرة للإسلام وبنيه.

إن المرابطين هم من قبيلة لمتونة، ولمتونة هذه بطن من بطون صنهاجة، أعظم القبائل البربرية، وهي بدورها فرع من فروع قبيلة البرانس الكبرى.

وينتمي إلى صنهاجة، عدا لمتونة، عدد كبير من القبائل البربرية مثل مسوفة، ومسراتة، ومداسة، وكدالة. ووتريكة، ولمطة وغيرها. وقد لعب الكثير منها في تاريخ المغرب أدواراً ملحوظة. وفي بعض الروايات أن صنهاجة، وهي الأم الكبرى لهذه القبائل ترجع نسبتها إلى العرب اليمانية، وأنها فخذ من ولد عبد شمس ابن وائل بن حمير، وهي كسائر الروايات المماثلة في أنساب البطون البربرية رواية ضعيفة، تقوم على القصص والأسطورة (١).

وكانت لمتونة تسكن منذ عصور بعيدة قبل الإسلام في قلب الصحراء، ما بين جنوبي المغرب والسودان. في تلك المنطقة التي كانت تسمى منذ أيام الرومان إقليم " موريتانيا ". وكانت تؤثر حياة القفر على أية حياة أخرى " انتباذاً عن العمران، واستئناساً بالانفراد، وتوحشاً بالعز عن الغلبة والقهر "، وكانوا يعتمدون في قوتهم على لحم الإبل ولبنها، ولا يعرفون حرثاً ولا ثماراً، ولا يأكلون الخبز (٢). وكان شعارهم " اللثام " ومن ثم فقد عرفوا " بالملثمين "، وقيل في سبب ذلك إنهم كانوا يتخذون في أعراسهم نوعاً خاصاً من الحجاب، أو لأنه حدث ذات مرة في بعض حروبهم أن نساءهم كن يقاتلن معهم محجبات، حتى يحسبن بذلك في عداد الرجال (٣)، وقيل بل كانوا يقلدون في ذلك قبيلة حمير التي يدعون الانتساب إليها.

وذكر لنا أبو عبيد البكري، في معجمه " المسالك والممالك "، فيما يتعلق بأمر اللثام الذي يلتزمه المرابطون، أن جميع قبائل الصحراء يلتزمون، النقاب، وهو


(١) راجع روض القرطاس ص ٧٥.
(٢) ابن خلدون ج ٦ ص ١٨١، وروض القرطاس ص ٧٦.
(٣) راجع الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى للسلاوي (١٣٠٦ هـ) ج ١ ص ٩٨ و ٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>