للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فوق اللثام، حتى لا يبدو منه إلا محاجر عينيه، ولا يفارقون ذلك في حال من الأحوال، ولا يميز رجل من وليه ولا حميمه إلا إذا تنقب. وكذلك في المعارك إذا قتل منهم القتيل. ونزل قناعه لم يعلم من هو حتى يعاد عليه القناع، وصار ذلك لهم ألزم من جلودهم، وهم يسمون من خالف زيهم هذا من جميع الناس أفواه الذبان بلغتهم (١).

وكانت لمتونة، كسائر القبائل البربرية، تدين بالمجوسية، واستمروا على ذلك حتى ذاع بينهم الاسلام عقب فتح الأندلس، وبدأت رياستهم من ذلك الحين تتخذ نوعاً من الملك. وفي أيام عبد الرحمن الداخل، أعني في أواسط القرن الثاني الهجري، كان ملكهم يدعى تيولوثان بن تيكلان الصنهاجي اللمتوني، فبسط سلطانه على سائر نواحي الصحراء، وحارب القبائل الوثنية، ونشر الإسلام بين كثير منها، وفرض الجزية على سائر ملوك السودان المجاورين، وكانت مملكته بالصحراء مسيرة ثلاثة أشهر في مثلها. ولما توفي في سنة ٢٢٢ هـ، خلفه في الرياسة حفيده الآثر بن بطين بن تيولوثان (٢)، واستطال حكمه زهاء خمسة وستين عاماً، حتى وفاته في سنة ٢٨٧ هـ، فخلفه ولده تمييم، واستمر في الحكم إلى أن ثار عليه في سنة ٣٠٦ هـ أشياخ قبيلة صنهاجة وقتلوه. وعندئذ افترقت كلمة الجماعة، وانقسموا شيعاً، واستمروا دون رياسة جامعة زهاء مائة وعشرين عاماً، إلى أن قام فيهم الأمير أبو عبد الله محمد بن تيفاوت اللمتوني المعروف بتارسنا، فالتفوا حوله، واجتمعوا على رياسته. وكان أميراً فاضلا ورعاً، شغوفاً بالجهاد، فلم يطل أمد حكمه سوى ثلاثة أعوام، إذ استشهد في غزوة من غزواته ضد بعض قبائل السودان الوثنية. فولى من بعده صهره الأمير يحيى بن ابراهيم الجدالي، زعيم قبيلة جدالة أوكدالة، وهي شقيقة لمتونة يجمعهما أب واحد، واستمر على رياسته لصنهاجة، وقيادتها في حروبها ضد أعدائها، حتى سنة ٤٢٧ هـ (١٠٣٥ م) (٣)، ثم استخلف في الرياسة ولده إبراهيم


(١) المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب المستخرج من كتاب " المسالك والممالك " لأبى عبيد البكري والمنشور بعناية المستشرق البارون دي سلان (الطبعة الثانية) ص ١٧٠.
(٢) وردت هذه التسمية في روض القرطاس ص ٧٦. ولكن ابن خلدون يسميه يلتان (ج ٦ ص ١٨٢).
(٣) هذه رواية ابن أبي زرع (ص ٧٧)، ويوافقه صاحب الاستقصاء (ج ١ ص ٩٩)، ولكن ابن خلدون يضع نهاية رياسته في سنة ٤٤٠ هـ (ج ٦ ص ١٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>