للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن يحيى، ورحل إلى المشرق مع طائفة من زعماء قومه، ليقضي فريضة الحج.

والظاهر أيضاً أن يحيى الكدالي كانت تحدوه في تلك الرحلة مُثل أخرى، فهو قد رأى ما كان عليه قومه من التأخر والجهل بتعاليم الإسلام وأصوله، فرحل إلى المشرق يطلب العلم إلى جانب قضاء الفريضة. ولما عاد من المشرق، عرج في طريقه على مدينة القيروان، وهنالك التقي وصحبه بالفقيه أبى عمران الفاسي شيخ المذهب المالكي يومئذ، وتأثروا بوعظه وعلمه. وشكا إليه يحيى من جهل قومه، وطلب إليه أن يختار له فقيهاً من تلاميذه، يتولى تعليم قومه وتثقيفهم بتعاليم الإسلام الصحيحة، ولما لم يجد أبو عمران من تلاميذه بالقيروان من يقبل تلبية هذه الدعوة، بعث معه كتاباً إلى تلميذ من تلاميذه بالسوس الأقصى يدعى أبو محمد واجاج بن زلوا اللمطي، وكان فقيهاً ورعاً يدرس العلم لتلاميذه في رباط خاص أنشأه لذلك، فلما مثل لديه يحيى قرأ خطاب الشيخ أبى عمران على تلاميذه، فاستجاب للدعوة منهم رجل يدعى عبد الله بن ياسين الجزولي، وكان من أنبه تلاميذه وأكثرهم علماً وورعاً. وكان قد رحل إلى الأندلس، وأنفق فيها بضع سنين يدرس في ظل الطوائف، فزاد علماً وتجربة. فسار مع يحيى إلى الصحراء، فاغتبطت بمقدمه لمتونة وكدالة، واستقبلوه بمنتهى الحفاوة والتكريم (١).

- ١ -

وكان عبد الله بن ياسين فقيهاً شديد الورع، والغيرة على تعاليم الإسلام، وكان فوق ذلك خطيباً موهوباً قوي التأثير، فأخذ يبث تعاليم الدين بين أولئك البدو الصحريين، ويبصرهم بأحكام الإسلام، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر. بيد أنه اشتد في مؤاخذتهم، ومطالبتهم بالإقلاع عن تقاليدهم المنافية للإسلام مثل الزواج بأكثر من أربع، وكان من الأمور الشائعة بينهم، وغير ذلك من التقاليد المغرقة، فأخذوا ينصرفون عنه، ويعرضون عن تعاليمه، لما رأوا من صرامته، وما تكبدهم تعاليمه من المشقة والضيق. وعندنذ عول عبد الله، وتلميذه وصديقه الوفي يحيى بن ابراهيم، على انتباذ أولئك البدو الجهلة، والانقطاع إلى العبادة والزهد، في أحد المواضع النائية، وانضم إليه في ذلك سبعة نفر من كدالة


(١) روض القرطاس ص ٧٧ و ٧٨، والإستقصاء ج ١ ص ٩٩ و ١٠٠، وابن خلدون ج ٦ ص ١٩٢. وراجع الحلل الموشية ص ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>