للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهو سؤال إنكاري يحمل مراد يوسف، فالله الذي أعبده واحد، ذل كل شيء لعز جلاله، وعظمة سلطانه، بينما الآخرون يتخذون عددا من الآلهة لا تضر أبدا، ولا تنفع مطلقا، فأيها أحق بالعبادة: إله واحد قادر، أم آلهة متعددون لا تنفع ولا تضر, ولا تملك من أمر نفسها شيئا؟ قال لهم ما حكاه الله تعالى: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} ١.

فالله وحده صاحب السلطان، والقدرة، والبراهين تشهد له، بينما آلهة القوم من اختراعات الناس، وأكاذيبهم، وعليهم أن يعلموا أن القضاء، والتصرف, والحكم بيد الله، والملك كله له يفعل ما يشاء ويريد، وعليهم أن يعلموا بضرورة التلازم بين توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية، وذلك يقضي بتوجه العبد لله بالعبادة والرجاء؛ لأنه النافع الضار، وليس للآلهة المزعومة شيء من ذلك أبدا، فكيف تكون آلهة مع الله؟!

وبذلك ختم دعوته مبينا أن الدين الذي يعرفهم به هو الدين الحق، وهو الصراط المستقيم، الخالي من العوج، الذي يسعد صاحبه ويكتب له الخير في الدنيا وفي الآخرة، ويلاحظ أن يوسف -عليه السلام- استفاد من تقدير الناس له, فجعله سببا وصلة إلى دعائهم إلى التوحيد، والإسلام، وبخاصة بعدما لمح من سجية الفتيين حب الخير، والإنصات له، والإقبال على دعوته٢.


١ سورة يوسف آية: ٤٠.
٢ تفسير ابن كثير ج٢ ص٤٧٩.

<<  <   >  >>