للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتسبيح، والدعاء، ونادى ربه أن ينقذه من هذه الظلمات، وتاب عما كان منه ... بعدما رأى أنه تضايق في سعة الدنيا, فضيق الله عليه في بطن الحوت، يصور الله ذلك فيقول سبحانه: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} ١.

والآية تتحدث عن كونه ترك قومه غاضبا، وظن أن لن نقدر عليه، بمعنى: ألا نضيق عليه كقوله تعالى: {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} ٢ أو بمعنى الحكم والقضاء أي: لا نقضي عليه بالعقوبة٣، وسكن في بطن الحوت، وعاش ظلمة الليل وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، وتاب عليه السلام عما خالف فيه من ترك دعوة قومه وعدم الصبر عليهم، وضجره من كفرهم، وسأل الله أن يفرج عنه ما هو فيه.

لما محصه الله تعالى، وأدبه، وعلم صلاته، وتسبيحه أمر الحوت أن يقذفه على الساحل، فقذفه ضعيفا, نحيلا، يقول الله تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} ٤، ونجاه الله تعالى إلا أنه كان عاريا يحتاج لستر، وظل، وطعام، وشراب، وأتم الله تعالى فضله عليه، يقول تعالى: {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ، وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ} ٥.

والآية تشير إلى أنه ألقي في العراء وهو ضعيف, نحيل، وقد رضي الله عنه وأكرمه بنعمه، يقول تعالى: {لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ} ٦, فبنعمة الله التي أحاطته نبذ بالعراء وهو غير مذموم.... وقد


١ سورة الأنبياء آية: ٨٧.
٢ هذا رأي سعيد بن جبير، وعطاء، والحسن، وكثير من العلماء "الطبري ج١١ ص٣٣١".
٣ هذا رأي قتادة، ومجاهد، والفراء "الطبري ج١١ ص٣٣٢".
٤ سورة الأنبياء آية: ٨٨.
٥ سورة الصافات الآيات: ١٤٥, ١٤٦.
٦ سورة القلم آية: ٤٩.

<<  <   >  >>