للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التصديق، كقولنا: "العلم واجب", وإن لم يتضمن حكما فهو التصور، كإدراك العلم في ذاته.

والتصور والتصديق، إما أن يحصل بلا كسب وطلب، وبشكل تلقائي، كالشعور باللذة، والحكم بأن الوالد أكبر من ابنه، وهذا أمر عادي يقع لكل الناس ما عدا المجانين ... وإما أن يحصل الإدراك بكسب وطلب، فإن كان طريقه مدارسة العلوم النظرية الموصلة إلى المجهول واكتساب المعارف، كأحكام الفقه، وقواعد النحو, واكتساب ملكة الحكم، والتمييز بين المسائل، فهو علم عادي ... وإن كان طريقه المجاهدات الروحية، والورع، والتقوى، والإقبال على الله تعالى، وصاحب هذا الطريق يجاهد نفسه وشهوته، ويستمر في الاستقامة والعبادة، حتى يتفضل عليه مولاه بالعطاء، كطارق بالباب يستمر في الملازمة والطرق حتى ينفتح له الباب ... وهذا يستمر في تدبر أسرار الخلق ... حتى ينجلي أمامه الحق، وتأتيه الأنوار الإلهية، وتمده بالفتوحات العقلية التي هي عطاء إلهي محض، وهي المرادة من قوله تعالى: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} ١, وعنها يقول الله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} ٢.

وعلى ذلك فنيل العلم من الله طريقه هو الورع، والزهد، والتقوى، ومداومة الطاعة، والانقياد ... أما ما يقال عن الجذب، والمكاشفة لطائفة خاصة، فهو قول غير مسلم، يقول الله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} ٣.


١ سورة الكهف آية: ٦٥.
٢ سورة البقرة آية: ٢٨٢.
٣ سورة البقرة آية: ٢٥٧.

<<  <   >  >>