للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما سَحَرَة فرعون فقد اكتشفوا هذه الحقائق، وقارنوا بين الدنيا والآخرة، وفتح الله بصائرهم، فلم يرتدعوا بتهديد فرعون، بل رحبوا بالموت، والقتل، والصلب؛ لأنه في غايته الكبرى يضيع الحياة الدنيا، إلا أنهم سيفوزون بالحياة الأخرى.

لقد فات أوان تهديد السحرة، وربطت اللمسة الإيمانية مضغة القلب الضئيلة بالقدرة الإلهية اللا نهائية، فإذا الإنسان قوة سامية، تلتصق برب الوجود كله، وتعلو فوق قوى الأرض كلها، وإن تماوجت، وتطاولت، وادعت السلطان، والنفوذ ... بهذه اللمسة الإيمانية واجه السحرة فرعون، وقوته، ودولته قائلين: {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} ١.

واكتشفت امرأة فرعون هذه الحقائق، ولامستها بقلبها، وعقلها؛ ولذلك آثرت بيتا في الآخرة، واعتبرت دنيا فرعون بقصوره، وأملاكه، وسلطانه، سجنا ظالما، وطغيانا فاسدا، ونادت الله قائلة: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} ٢.

وهذا المؤمن من آل فرعون يستثيره تآمر فرعون وملئه على رسول الله موسى -عليه السلام- فيظهر نفسه، ويحدثهم حديث المطمئن، العارف بالله، المتيقن من حقيقة الآخرة، وقيمتها إزاء الدنيا.


١ سورة طه الآيات: ٧٢, ٧٣.
٢ سورة التحريم آية: ١١.

<<  <   >  >>