للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولذلك كان يخوِّفهم من زوال سلطان الدنيا وملكها, إذا جاءهم بأس الله تعالى، ويخوفهم من سوء المنقلب في الآخرة, فهو الخسران المبين, وينصحهم بالحق، وهو يقول لهم: {يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا} ١، {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ، مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} ٢.

إن الإيمان اليقيني بالآخرة يصلح الحياة الدنيا، ولا يسمح للفساد، أيا كان لونه أو مصدره, أن يسود فيها؛ لأنه سيصطدم حتما بالمؤمنين، ولن يعيش أبدا معهم.

إن مشهد السحرة، وامرأة فرعون، وهم يظهرون استعلاءهم على الكفر والضلال، هو إعلان واضح لحرية العقل، والضمير، حين ينفكّ عن قيود الأرض، وظلمات المادة.

إن هذه المشاهد تؤكد أن انتصار الحق والإيمان، يكون بعد انتصارهما في عالم الفكرة، والعقيدة، وقبل السلوك بالضرورة، كما تؤكد الصلة، والترتيب بين هذين الانتصارين، فلا بد من الانتصار في عالم الضمير قبل الانتصار في عالم الواقع، ولا يعلو أصحاب الحق في الحياة، إلا بعد أن يعلو الحق في قلوبهم على ما عداه، من طمع وشهوة، وحب للمادة، وخلود في الأرض ... لا بد أن يتجسد الحق والإيمان في المشاعر والفكر، قبل أن يتحرك في الجوارح، والسلوك.

ليس من الإيمان في شيء أن يتحول الإيمان إلى كلمات يتشدق بها اللسان، والقلب فارغ منها.


١ سورة غافر آية: ٢٩.
٢ سورة غافر الآيات: ٣٩, ٤٠. "٣٨٥".

<<  <   >  >>