ما يقول ويفعل، وليس يجب الوقوف على كل ما يأمر به وينهى عنه؛ إذ ليس كل علم تبلغ إليه "قوة البشر".
ثم "الوحي" من عند الله العزيز يمد حركاته الفكرية، والقولية، والعملية، بالحق في الأفكار، والصدق في الأقوال، والخير في الأفعال، فبطرف يماثل البشر، وهو طرف الصورة، وبطرف يوحي إليه، وهو طرف المعنى والحقيقة:{قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا} فبطرف يشابه نوع الإنسان، وبطرف يماثل نوع الملائكة، وبمجموعهما يفضل النوعين، حتى تكون بشريته فوق بشرية النوع: مزاجا واستعدادا، وملكيته فوق ملكية النوع الآخر: قبولا، وأداء، فلا يضل ولا يغوي بطرف البشرية، ولا يزيغ ولا يطغى بطرف الروحانية، فيقرر أن "أمر الباري" تعالى واحد لا كثرة فيه، ولا انقسام له: قال تعالى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ} غير أنه يلبس تارة عبارة العربية، وتارة عبارة العبرية، والمصدر يكون واحدا والمظهر متعددا و"الوحي": إلقاء الشيء إلى الشيء بسرعة فيلقي "الروح""الأمر" إليه دفعة واحدة، بلا زمان " قال تعالى: {كَلَمْحٍ بِالْبَصَر} فيتصور في نفسه الصافية صورة الملقي، كما يتمثل في المرآة المجلوة صورة المقابل، فيعبر عنه إما بعبارة قد اقترنت بنفس التصور، وذلك هو قال تعالى:{آيَاتُ الْكِتَاب} ، أو بعبارة نفسه وذلك هو "أخبار النبوة" وهذا كله "بطرفه الروحاني".
وقد يتمثل "الملك الروحاني" له بمثل صورة البشر تمثل المعنى الواحد بالعبارات المختلفة، أو تمثل الصورة الواحدة في المرايا المتعددة، أو الظلال المتكثرة للشخص الواحد، فيكالمه مكالمة حسية، ويشاهده مشاهدة عينية.... ويكون ذلك بطرفه الجسماني، وإن انقطع "الوحي" عنه لم ينقطع عنه التأييد والعصمة: حتى يقومه في أفكاره، ويسدده في أقواله، ويوفقه في أفعاله١.