للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنهمْ منْ يقيمُ الإسنادَ ولا يُحسنُ المتنَ، قال ابنُ حبَّانَ «ت ٣٥٤ هـ»: «وَأَكْثَرُ مَنْ رَأَينَا مِنَ الحُفَّاظِ كَانُوا يَحْفَظُونَ الطُّرُقَ، وَلَقَدْ كُنَّا نُجَالِسُهُمْ بُرْهَةً مِنْ دَهْرِنَا عَلَى المُذَاكَرَةِ، وَلَا أَرَاهُمْ يَذْكُرُونَ مِنْ مَتْنِ الخَبَرِ إِلَّا كَلِمَةً وَاحِدَةً يُشِيرُونَ إِلَيهَا» (١). وعقَّبَ ابنُ رجبٍ «ت ٧٩٥ هـ» بقولِهِ: «وَإِنِّمَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِمَنْ عُرِفَ مِنْهُ عَدَمُ حِفْظِ المُتُونِ وَضَبْطِهَا، وَلَعَلَّهُ يَخْتَصُّ بِالمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الحُفَّاظِ، نَحْوَ مَنْ كَانَ فِي عَصْرِ ابْنِ حِبَّانَ» (٢). ولهذا فقدْ يصحُّ الإسنادُ دونَ المتنُ، وبالعكسِ.

٤) التَّدلِيسُ: هو أنْ يرويَ الرَّاوي عمَّنْ لقيَهُ ما لم يسمعهُ منهُ بصيغةٍ توهمُ السَّماعَ، أو أن يسمِّيَ شيخَهُ أو يُكنِّيهِ على خلافِ المشهورِ لتعميةِ أمرِهِ. وَهُوَ منَ الأسبابِ الرئيسةِ التي تُدخِلُ الاختلافَ في المتونِ والأسانيدِ، لأن التَّدليسَ يكشفُ عن سقوطِ راوٍ أحياناً، وربَّما كان هذا السَّاقطُ ضعيفاً أو في حفظِهِ شَيءٌ، أو لم يضْبط حديثَهُ، فيكونُ لهذا السَّاقِطِ دورٌ في اختلافِ الأسانيدِ والمتونِ (٣).

٢ - الاِخْتِلَافُ الظَّاهِرِيُّ: وهوَ ما كانَ فيه الاختلافُ مفيداً أو غيرَ قادحٍ، بأنْ يكونَ الاختلافُ بينَ مترادفاتٍ تحملُ المعنى ذاتَهُ، أو تكونَ الزِّيادةُ فيهِ أو النُّقصانُ لفائدةٍ وزيادةِ معنىً، كأنْ يختلفَ الرُّواةُ في حديثينِ - سنداً أو متناً - اختلافاً لفظياً أو شَكلياً، معَ إمكانِ الجمعِ والتَّوفيقِ بينَ الرِّوايَاتِ المختلفةِ، وهوَ ما ينبئُ عن وجودِ فائدةٍ لا تتميَّزُ إلا بالسَّبرِ، وهذهِ جملةٌ من الأسبابِ الموجبةِ لهذا الاختلافِ نُجملهَا فيما يأتي:


(١) انظر المجروحين ١/ ٩٣.
(٢) شرح علل الترمذي ٢/ ٨٣٧.
(٣) انظر معرفة علوم الحديث ص ١٠٣، ونزهة النظر ص ١١٣، وأثر اختلاف المتون والأسانيد في اختلاف الفقهاء للدكتور ماهر الفحل ص ٤٠.

<<  <   >  >>