للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقدْ سنَّ الصَّحابَةُ -رضي الله عنهم- الرِّحْلَةَ في طلَبِ الحَدِيثِ (١)، فكانَ لهَا الأثرُ العميقُ في معرفَةِ الطُّرقِ المتعدِّدةِ للحديثِ الواحدِ، بالإضافةِ إلى فوائدَ يُعَدُّ أغلبُهَا منْ فوائِدِ السَّبر، قالَ شيخُنَا محمَّدُ عجاجٍ: «كَذَلِكَ كَانَ لِلرَّحَلَاتِ فَائِدَةٌ عَظِيمَةٌ فِي مَعْرِفَةِ طُرُقِ كَثِيرَةٍ لِلْحَدِيثِ الوَاحِدِ، فَقَدْ يَسْمَعُ الرَّاوِي مِنْ عُلَمَاءِ المِصْرِ الذِي رَحَلَ إِلَيهِ زِيَادَاتٍ لَمْ يَسْمَعْهَا مِنْ عُلَمَاءِ مِصْرِهِ، وَكَثِيرَاً مَا يَجِدُ عِنْدَهُمْ مَا لَمْ يَجِدْهُ عِنْدَ شُيُوخِهِ وَقَدْ تَقَعُ مُنَاظَرَاتٌ بَينَ عُلَمَاءِ الأَمْصَارِ، تُعَارَضُ فِيهَا طُرُقُ الحَدِيثِ الوَاحِدِ، فَيُحَصَّلُ فِيهَا القَوِيُّ وَيُعْرَفُ الضَعِيفُ» (٢).

ونَهَجَ نَهْجَ الصَّحابةِ في ذلكَ جمعٌ منْ كبارِ التَّابعينَ، قالَ ابنُ حبَّانَ «ت ٣٥٤ هـ»: «ثمَّ أَخَذَ مَسْلَكَ [أبي بَكْرٍ وَ] عُمَرَ وَعَلِيٍّ، وَاسْتَنَّ بُسُنَّتِهِمْ وَاهْتَدَى بِهَدْيِهِمْ فِيمَا اسْتَنُّوا مِنَ التَّيَقُّظِ فِي الرِّوَايَاتِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ مِنْ سَادَاتِ التَّابِعِينَ، مِنْهُمْ: سَعِيدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَالقَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ بنِ أَبِي بَكْرٍ، وَسَالِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وَعَلِيُّ بنُ الحُسَينِ بنِ


(١) من الصحابة الذين رحلوا في طلب الحديث: أبو أيوب الأنصاري -رضي الله عنه-، رحلَ من المدينة إلى مصر، ليسأل عقبة بن عامر -رضي الله عنه- عن حديث سمعه من النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما قدم قال له: «حدِّثْنا ما سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ستر المسلم، لم يبق أحد سمعه غيري وغيرك». فلما حدَّثه، ركب أبو أيوب راحلته عائداً إلى المدينة، وما حلَّ رحله. مسند الحميدي ١/ ١٨٩/ ٣٨٤.
وجابر بن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنه-: بلغه حديثٌ عن صحابيٍّ بالشَّام سمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فاستعظم أن يفوته شيء من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فاشترى بعيراً وشدَّ عليه رحله، وسافر مسيرة شهر حتى قدم الشام، فإذا هو عبد الله بن أنيس -رضي الله عنه- فقال له: «حديثٌ بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في القصاص، فخشيت أن تموت أو أموت قبل أن أسمعه فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «يُحشر الناس يوم القيامة - أو قال العباد - عراةً غرلاً بُهْما». مسند أحمد - ر ١٦٠٨٥. وانظر للتعريف بالرحلة وفوائدها كتاب «الرحلة في طلب الحديث» للخطيب البغدادي.
(٢) السنة قبل التدوين ص ١٢٢.

<<  <   >  >>