للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقدْ قامتِ السَّيدةُ عائشةُ -رضي الله عنه- بنوعٍ جديدٍ منَ السَّبرِ والمعارضَةِ بينَ المروِيَّاتِ، وهوَ المعارضةُ بينَ مرويَّاتِ الرَّاوي نفسِهَا في أزمنَةٍ مختلفةٍ، للتبيُّنِ منْ ضبطِهِ وصحَّةِ مرويَّاتِهِ، فعن عُروةَ بنِ الزُّبيرِ، قالَ: قالتْ لي عائشةُ -رضي الله عنه-: «يَا بْنَ أُخْتِي بَلَغَنِي أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو مَارٌّ بِنَا إِلَى الْحَجِّ، فَالْقَهُ، فَسَائِلْهُ، فَإِنَّهُ قَدْ حَمَلَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- عِلْماً كَثِيراً». قالَ: فلقيتُهُ، فساءَلْتُهُ عنْ أشياءَ يذكرُهَا عنْ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فكانَ فيمَا ذكرَ أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْتَزِعُ الْعِلْمَ مِنَ النَّاسِ انْتِزَاعَاً، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعُلَمَاءَ فَيَرْفَعُ الْعِلْمَ مَعَهُمْ، وَيُبْقِي فِي النَّاسِ رُؤُوساً جُهَّالاً يُفْتُونَهُمْ بِغَيرِ عِلْمٍ، فَيَضِلُّونَ وَيُضِلُّونَ». قالَ عروةُ: فلمَّا حدَّثتُ عائشةَ -رضي الله عنه- بذلكَ أعظمتْ ذلكَ وأنكرتْهُ، وقالتْ: «أَحَدَّثَكَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ هَذَا؟». قالَ عروةُ: حتَّى إذا كانَ قابلُ، قالتْ لهُ: إنَّ ابنَ عمرٍو قدْ قدمَ، فالْقَهُ، ثمَّ فاتحْهُ، حتَّى تسأَلَهُ عنِ الحديثِ الذي ذكرَهُ لكَ في العلمِ، قالَ: فلقيتُهُ فساءَلتُهُ، فذكرَهُ لي نحوَ ما حدَّثنِي بهِ في مرَّتِهِ الأولى، فلمَّا أخبرتُهَا بذلكَ، قالتْ: «مَا أَحْسِبُهُ إِلاَّ قَدْ صَدَقَ، أَرَاهُ لَمْ يَزِدْ فِيهِ شَيئًا وَلَمْ يَنْقُصْ» (١).


(١) صحيح مسلم - كتاب - باب - ر ٦٩٧٤. ومثل هذه المعارضة قام بها مروان بن الحكم «٦٥ هـ» مع أبي هريرة -رضي الله عنه-، فقد روى أبو الزعيزعة - كاتب مروان - أن مروان بن الحكم أرسل إلى أبي هريرة -رضي الله عنه-، فجعل يسأله وأجلسني خلف السرير، وأنا أكتب حتى إذا كان رأس الحول، دعا به فأقعده من وراء الحجاب، فجعل يسأله من ذلك الكتاب، فما زاد ولا نقص ولا قدم ولا أخر. انظر سير أعلام النبلاء ٢/ ٤٣١. =
= وممن قام بمثل ذلك من التابعين إبراهيم النخعي «٩٥ هـ»، حيث قال لعمارة بن القعقاع: «حدثني عن أبي زرعة، فإني سألته عن حديث، ثم سألته عنه بعد سنتين، فما أخرم منه حرفاً». انظر العلم لأبي خيثمة ص ١٢٢.

<<  <   >  >>