للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتَّفتيشُ عنِ الإِسنادِ تفتيشٌ عنِ الرُّواةِ أيضاً منْ حيثُ العدالةِ والضَّبطِ، والقبُولِ أو الرَّدِّ، فقدْ برزَ معَ الإسنادِ علمُ الجرحِ والتَّعديلِ (١)، لأنَّ بهِ يتميَّزُ الرَّاوِي الثِّقةُ منْ غيرِهِ، ولا معنَى للإسنادِ إذا لمْ تتميَّز رُوَاتُهُ، قالَ التِّرمذِيُّ «ت ٢٧٩ هـ»: «وَقَدْ وَجَدْنَا غَيرَ وَاحِدٍ مِنَ الأَئِمَّةِ التَّابِعِينَ قَدْ تَكَلَّمُوا فِي الرِّجَالِ، منهُمُ: الحسنُ البَصرِيُّ «ت ١١٠ هـ»، وطَاوُسُ «ت ١٠٦ هـ»، وَسَعِيدُ بنُ جُبَيرٍ «ت ٩٥ هـ»، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ «ت ٩٦ هـ»، وَعَامِرٌ الشَّعْبِيُّ «ت ١٠٣ هـ»» (٢).

وكذلكَ محمَّدُ بنُ سيرينَ، قالَ الذَّهبيُّ «ت ٧٤٨ هـ»: «أَوَّلُ مَنْ زَكَّى وَجَرَحَ مِنَ التَّابِعِينَ - وَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ ذَلِكَ قَبْلَهُمْ - الشَّعبِيُّ وَابنُ سِيرِينَ، حُفِظَ عَنْهُمَا تَوثِيقُ أُنَاسٍ وَتَضْعِيفُ آَخَرِينَ» (٣). وذكرَ ابنُ رجبٍ «ت ٧٩٥ هـ» أنَّ ابنَ سيرينَ أوَّلُ منِ انتقدَ الرِّجالَ، وميَّزَ الثِّقاتَ منْ غيرهِمْ. ونقلَ عنْ يعقوبَ بنِ شيبةَ (٤) «ت ٢٦٢ هـ» أنَّهُ قالَ: «قُلْتُ لِيَحْيَى بنِ معينٍ: تَعْرِفُ أَحَدَاً مِنَ التَّابِعِينَ كَانَ يَنتقِي الرِّجَالَ، كَمَا كَانَ ابنُ سِيرِينَ يَنْتَقِيهِمْ؟ فَقَالَ بِرَاسِهِ: أَي: لا» (٥).

* * *


(١) وأعني بذلك ظهور علم الجرح والتعديل وبروزه لا نشأته، فقد نشأ الجرح والتعديل مع نشأة الرواية في الإسلام، وقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- جرح وتعديل في بعض الرجال، ووصلنا كثير من أقوال الصحابة -رضي الله عنه- في هذا الباب، وتكلم بعد الصحابة التابعون وأتباعهم وأهل العلم من بعدهم في الرجال جرحاً وتعديلاً. انظر أصول الحديث علومه ومصطلحه - د. عجاج الخطيب ص ١٦٩.
(٢) العلل الصغير للترمذي ١/ ٧٣٨.
(٣) ميزان الاعتدال ٨/ ٤.
(٤) يعقوب بن شيبة بن الصَّلت بن عصفور، أبو يوسف، البصري، «١٨٢ هـ - ٢٦٢ هـ»، من كبار علماء الحديث من كتبه «المسند الكبير». انظر تذكرة الحفاظ ٢/ ٥٧٧، وتاريخ بغداد ١٤/ ٢٨١.
(٥) شرح علل الترمذي ١/ ٥٢.

<<  <   >  >>