للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سِمَاكِ ابنِ حربٍ في اقتضاءِ الوَرِقِ منَ الذَّهَبِ، فقالَ: «رَفَعَهُ سِمَاكُ وَأَنَا أُفَرِّقُهُ، حَدَّثَنِي دَاوُدُ، عَنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيرٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، لَمْ يَرْفَعْهُ. وَحَدَّثَنِي قَتَادَةُ، عَنْ سَعِيدِ بنِ الُمسَيِّبِ، عَنِ ابنِ عُمَرَ لَمْ يَرْفَعْهُ. وَحَدَّثَنِي أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابنِ عُمَرَ، لَمْ يَرْفَعْهُ. وَرَفَعَهُ سِمَاكُ» (١). وهذا سبرٌ بيِّنٌ للرِّواياتِ، وكشفٌ للعلَّةِ منْ خلالِهِ، حيثُ ميَّزَ الحديثَ الموقوفَ من المرفوعِ منْ خلالِ السَّبرِ.

وقالَ ابنُ المباركِ «ت ١٨١ هـ»: «إِذَا أَرَدْتَ أَنْ يَصِحَّ لَكَ الحَدِيثُ فَاضْرِبْ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ» (٢).

ورُوِيَ عنِ ابنِ شِهابٍ الزُّهرِيِّ «ت ١٢٤ هـ» معارضتُهُ بينَ المرويَّاتِ، حيثُ قال: «أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيرِ، وَابْنُ المُسَيِّبِ، وَعَلْقَمَةُ بنُ وَقَّاصٍ، وَعُبَيدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ -رضي الله عنه-، وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضَاً» (٣).

فهذهِ كلُّهَا نصوصٌ تُبيِّنُ أنَّ الأئمَّةَ في أواخرِ القرنِ الأوَّلِ ومطلَعِ القرنِ الثانِي كانُوا يسبرونَ المرويَّاتِ ويوازنُونَ بينهَا، ويستخرجونَ عللِهَا، ويبينونَ فوائِدَهَا.

ولا بدَّ منْ أن نُشيرَ هنا إلى تزامُنِ معرفَةِ العلَّةِ مع نشأَةِ السَّبرِ، لأنَّ السَّبرَ هو الأداةُ التي استخدمَهَا المحدِّثونَ لبيانِ أوجُهِ الاتِّفاقِ والاختلافِ، لكشفِ عللِ الأحاديثِ، وإبرازِ فوائدِهِ، والأئمَّةُ الذينَ نشأَ على أيديهِم علمُ العللِ، هم شعبةُ بنُ الحجَّاجِ «ت ١٦٠ هـ»،


(١) ضعفاء العقيلي ٢/ ١٧٨/ ٦٩٩.
(٢) الجامع لأخلاق الراوي ٢/ ٢٩٥.
(٣) صحيح البخاري ٢/ ٩٣٢.

<<  <   >  >>