للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأمَّا القرونُ التي أتتْ بعدَ هذَا القرنِ فكانتْ امتدادَاً لهُ، لمْ يزِدْ عليهِ أئمَّتُهُ سوى الاستنانِ بِسُنَنِ أئمَّةِ القَرنِ الثَّالثِ في تطبيقِ منهجِ السَّبرِ، لكنْ يُلاحَظُ في هذَا القرنِ «الرابع»:

أولاً: استخدامُ مُصطلَحِ «السَّبْرِ» على يدِ إمامينِ جليلينِ منْ أئمَّةِ العِلَلِ والرِّجالِ، وهُمَا ابنُ حبَّانَ «ت ٣٥٤ هـ»، وابنُ عديٍّ «ت ٣٦٥ هـ»، فهمَا أكثرُ منِ استخدَمَ السَّبْرَ لفظَاً وتطبيقَاً، في كُتُبهِمَا الثِّقاتِ والمجروحينَ لابنِ حبَّانَ، والكاملِ لابنِ عديٍّ.

ثانياً: وثمَّةَ مَلْحَظٌ آخرُ، وهوَ كثرةُ الأجزاءِ الحديثيَّةِ التي تجمعُ طُرُقَ حديثٍ مَا.

وممنْ استخدمَ السَّبرَ وجمعَ طرقِ بعضِ الأحاديثِ في القرنِ الرَّابعِ:

ابنُ جريرٍ الطَّبريُّ «ت ٣١٠ هـ» في كتابِهِ «تهذيبُ الآثارِ»، وكتابُهُ هذَا مُستفيضٌ ببيانِ العللِ وجمعِ الطُّرقِ بمَا لمْ يسبِقْ إليهِ (١).

وأبو عَوَانَةَ الإِسفرايينِيُّ «ت ٣١٦ هـ» لهُ مُستخرَجٌ على صحيحِ مُسلِم (٢).

والطَّحاوِيُّ «ت ٣٢١ هـ» في كتابِهِ «مشكِلِ الآثارِ» (٣)، حيثُ جمعَ بينَ الرِّواياتِ التي ظاهرُهَا التَّعارضُ، وقامَ بدفعِ هذَا التَّعارُضِ.


(١) قال الفَرْغاني «ت ٣٦٢ هـ»: «وابتدأ بتصنيف كتاب تهذيب الآثار، وهو من عجائب كتبه، ابتداءً بما أسنده الصديق مما صحَّ عنده سنده، وتكلم على كل حديث منه بعلله وطرقه، ثم فقهه واختلاف العلماء وحججهم، وما فيه من المعاني والغريب، والرَّدِّ على الملحدين». نقله الذهبي في أعلام النبلاء ١٤/ ٢٧٣.
(٢) وهو «المسند الصحيح المخرج على صحيح مسلم» ويعرف ب «مسند أبي عوانة». دار المعرفة، بيروت، ١٩٩٨ م.
(٣) طبع في أربعة مجلدات - دائرة المعارف العثمانية - حيدر آباد - ١٩٦٨ م.

<<  <   >  >>