للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والنَّسائيُّ في سننهِ جمعَ بينَ طريقتَي البخاريِّ ومسلمٍ منْ حيثُ الصِّناعةِ الحديثيَّةِ والفقهيَّةِ، أمَّا بالنسبةِ للنَّاحيةِ الحديثيَّةِ فنجدُهُ في كثيرٍ منَ الأحيانِ يُعنَى بعللِ الأحاديثِ، فيُورِدُ الحديثَ منْ طرقٍ متعدِّدةٍ على اختلافِ النَّاقلينَ لهذَا الحديثِ، لكنَّهُ في البدايَةِ يُورِدُ الحديثَ منْ طريقٍ، ثمَّ يُبَوِّبُ بعدَ ذلكَ بابَاً، فيقولُ: «بابُ بيانِ اختلافِ النَّاقلينَ للحديثِ عنْ فلانٍ» - مثلاً عنِ الأوزاعيِّ - ثمُّ يبدأُ يذكرُ الاختلافَ على الأوزاعيِّ. قالَ شيخُنَا نورُ الدِّينِ: «وَكِتَابُ «المُجْتَبَى» هَذَا يَسِيرُ عَلَى طَرِيقَةٍ دَقِيقَةٍ تَجْمَعُ بَينَ الفِقْهِ وَفَنِّ الإِسْنَادِ، فَقَدْ رَتَّبَ الأَحَادِيثَ عَلَى الأَبْوَابِ، وَوَضَعَ لَها عَنَاوِينَ تَبْلُغُ أَحْيَانَاً مَنْزِلَةً بَعِيدَةً مِنَ الدِّقَّةِ، وَجَمَعَ أَسَانِيدَ الحَدِيثِ الوَاحِدِ فِي مَوطِنٍ وَاحِدٍ، وَبِذَلِكَ سَلَكَ أَغْمَضَ مَسَالِكِ المُحَدِّثِينَ وَأَجَلِّهَا» (١).

ومنْ كتبِ الحديثِ التي اعتمدَتِ السَّبرَ بإيرادِ الحديثِ منْ طرقٍ متعدِّدةٍ:

صحيحُ البخاريِّ (٢)، وصحيحُ ابنِ حبَّانَ (٣)، وصحيحُ ابنِ خُزيمَةَ (٤).


(١) انظر منهج النقد - د. نور الدين عتر - ١/ ٢٧٧.
(٢) وطريقة البخاري في صحيحه أن يورد الحديث في مواطن متفرقة، لكن بإسناد جديد لكل موطن، وأحياناً يورد الحديث في الموطن نفسه بعدة روايات - وهو قليل - ومثال ذلك حديث: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده … ». فقد أورده من طريقين، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، وأنس بن مالك -رضي الله عنه-. انظر صحيح البخاري «ر ١٤ و ١٥». وانظر كلام ابن حجر في مقدمة «الفتح» عن منهج البخاري في ذلك ١/ ١٥.
(٣) وطريقة ابن حبان في صحيحه أن يورد حديث الباب، ثم يورد بعده من الأحاديث ما يدلل له، فمثلاً يقول: «ذكر الخبر الدال على أن الأمر بالاغتسال للجمعة في الأخبار التي ذكرناها قبل إنما هو أمر ندب وإرشاد لعلة معلومة». ثم يورد بعدها: «ذكر خبر ثان يصرح بأن الاغتسال للجمعة غير فرض على من شهدها». ثم: «ذكر خبر ثالث … ». وخبر رابع وخامس، وقد تصل إلى أكثر من عشرة أحاديث للباب الواحد. انظر «ر ١٢٣٠ - ١٢٣٤».
(٤) مثاله: حديث: «أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين». فأورده من طريقين، كلاهما عن أنس -رضي الله عنه-. انظر ابن خزيمة - باب افتتاح القراءة بالحمد لله - ١/ ٢٤٨/ ٤٩١ و ٤٩٢.

<<  <   >  >>