للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وما دامتِ المادَّةُ التي كانَ يعتمدُ عليهَا الأئمَّةُ في تصحيحهمْ وتضعيفهمْ للأحاديثِ قدْ دوَّنوهَا، وهيَ بينَ ظهرانينَا، ككتبِ الحديثِ المسندَةِ، وكتبِ الرِّجالِ والجرحِ والتَّعديلِ، وكتبِ العللِ، فلَا يبقَى إلَّا حذقُ العالمِ ومكنتُهُ وفطنتُهُ وكثرةُ إطِّلاعِهِ علَى أُصولِ الحديثِ ومصنَّفاتِهِ، وأقوالِ الأئمَّةِ في الإعلالِ والرِّجالِ.

ولذَا نجدُ أنَّ الأئمَّةَ أكَّدوا علَى أهليَّةِ العالمِ ونظرتِهِ الثَّاقبَةِ كشرطٍ في تصدِّيهِ للحكمِ على الحديثِ الشَّريفِ، قالَ الحافظُ العراقيُّ «ت ٨٠٦ هـ» بعدَ أنْ ذكرَ جملةً منَ الأئمَّةِ المتأخِّرينَ الذينَ خالفُوا ابنَ الصَّلاحِ في منعِهِ، وصحَّحُوا أحاديثَ لم يُسبَق إليهَا: «وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأبُ مَنْ بَلَغَ أَهْلِيَّةَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، إِلَّا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَا يُقْبَلُ ذِلَكَ مِنْهُمْ، وَكَذَا كَانَ المُتَقَدِّمُونَ رُبَّمَا صَحَّحَ بَعْضُهُمْ شَيئَاً فَأُنْكِرَ عَلَيهِ تَصْحِيحُهُ» (١). وقَالَ الحافظُ ابنُ حجرٍ «ت ٨٥٢ هـ»: «وَلَا يَقُومُ بِهِ - أي: عِلْمُ العِلَلِ - إِلَّا مَنْ مَنَحَهُ اللهُ تَعَالَى فَهْمَاً غَائِصَاً، وَاطِّلَاعَاً حَاوِيَاً، وَإِدْرَاكَاً لِمَرَاتِبِ الرُّوَاةِ، وَمَعْرِفَةً ثَاقِبَةً» (٢).

وعلى رأسِ القواعدِ التي ينبغِي على المتأخِّرينَ مراعاتُهَا والعملُ بهَا، قاعدَةُ السَّبرِ والتتبُّعِ وجمعِ طرقِ الحديثِ، والذي انتُقِدَ على عملِ المتأخِّرينَ هو إغفالُهم طرقَ الحديثِ وسبرَهَا، وإهمالُهم النَّظرَ في دقائِقِ علمِ العللِ، واعتمادُ الإسنادِ الواحدِ، والحكمُ على الأحاديثِ بظواهرِ الأسانيدِ.

* * *


(١) التقييد والإيضاح للحافظ العراقي ١/ ٢٤.
(٢) النكت على ابن الصلاح ٢/ ٧١١.

<<  <   >  >>