للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِنَ العِلَّةِ أَنْ يَجْمَعَ طُرُقَهُ، فَإِنِ اتَّفَقَتْ رُوَاتُهُ وَاسْتَوَوا ظَهَرَتْ سَلَامَتُهُ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا أَمْكَنَ ظُهُورُ العِلَّةِ، فَمَدَارُ التَّعْلِيلِ فِي الحَقِيقَةِ عَلَى بَيَانِ الاخْتِلَافِ» (١).

ولا بدَّ في هذهِ المرحلةِ منْ حدَّةِ الذِّهنِ، وَدقَّةِ الفهمِ، وسعةِ المِرانِ، والإلمامِ بجميعِ المتونِ والأسانيدِ، والإدراكِ لجميعِ مراتبِ الرُّواةِ، قالَ ابنُ حجرٍ «ت ٨٥٢ هـ»: «وَلَا يَقُومُ بِهِ إِلَّا مَنْ مَنَحَهُ اللهُ تَعَالَى فَهْمَاً غَائِصَاً، وَاِطِّلَاعَاً حَاوِيَاً، وَإِدْرَاكَاً لِمَرَاتِبِ الرُّوَاةِ، وَمَعْرِفَةٍ ثَاقِبَةٍ» (٢).

وهذا لا يتأتَّى إلَّا بكثرةِ المطالعةِ والمذاكرةِ، والبحثِ والتَّفتيشِ، قالَ ابنُ رجبٍ «ت ٧٩٥ هـ»: «وَلَابُدَّ فِي هَذَا العِلْمِ مِنْ طُولِ المُمَارَسَةِ، وَكَثْرَةِ المُذَاكَرَةِ، فَإِذَا عَدِمَ المُذَاكَرَةَ بِهِ فَلْيُكْثِرْ المُطَالَعَةَ فِي كَلَامِ الأَئِمَّةِ العَارِفِينَ كَيَحْيَى القَطَّانِ، وَمَنْ تَلَقَّى عَنْهُ كَأَحْمَدَ وَابْنِ المَدِينِيِّ، فَمَنْ رُزِقَ مُطَالَعَةَ ذَلِكَ وَفَهْمِهُ، وَفَقُهَتْ نَفْسُهُ فِيهِ، وَصَارَتْ لَهُ فِيهِ قُوَّةُ نَفْسٍ وَمَلَكَةٌ، صَلَحَ لَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِيهِ» (٣).

إنَّ ما ذكرناهُ في هذا المبحثِ والمباحثِ السابقةِ لهُ، هوَ المدخلُ لبيانِ أثرِ السَّبرِ في المتنِ والإسنادِ، والجرحِ والتعديلِ، لكشفِ عللِ الحديثِ، وإبرازِ فوائدِهِ، والحكمِ على الرِّجالِ، والاعتبارِ بمرويَّاتهمْ.

* * *


(١) النكت على ابن الصلاح لابن حجر ٢/ ٧١٠ و ٧١١.
(٢) المصدر ذاته.
(٣) شرح علل الترمذي ٢/ ٦٦٤.

<<  <   >  >>