للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولمدارِ الإسنادِ أهميَّةٌ بالغةٌ عندَ المحدِّثينَ، فبهِ يُعرفُ مَخْرَجُ الحديثِ، أي: أصلُ السَّندِ، وَيُعطِي صورةً واضحةً للأسانيدِ الشَّاذَّةِ أوِ المنكرةِ، قالَ ابنُ حجرٍ «ت ٨٥٢ هـ»: «فَسَّرَ القَاضِي أَبُو بَكْرٍ بنِ العَرَبِيِّ «مَخْرَجَ الحَدِيثِ» بِأَنْ يَكُونَ مِنْ رِوَايَةِ رَاوٍ قَدِ اشْتَهَرَ بِرِوَايَةِ حَدِيثِ أَهْلِ بَلَدِهِ كَقَتَادَةَ فِي البَصْرِيِّينَ … ، فَإِنَّ حَدِيثَ البَصْرِيِّينَ مَثَلَاً إِذَا جَاءَ عَنْ قَتَادَةَ وَنَحْوِهِ كَانَ مَخْرَجُهُ مَعْرُوفَاً، وَإِذَا جَاءَ عَنْ غَيرِ قَتَادَةَ وَنَحَوِهِ كَانَ شَاذَّاً، وَاللهُ أَعْلَمُ» (١).

ونتبينُ مراتبَ الرُّواةِ عنِ المدارِ منْ خلالِ اختلافِهِمْ أو خطئِهِمْ عنِ المدارِ، فإذَا اتَّفقتْ روايَةُ الرُّواةِ عنِ المدارِ وخالفهُمْ واحدٌ، عُلِمَ أنَّ الخطأَ منهُ دونَهُمْ، قالَ مسلمٌ «ت ٢٦١ هـ»: «إِذَا رَوَى نَفَرٌ مِنْ حُفَّاظِ النَّاسِ حَدِيثَاً عَنْ مِثْلِ الزُّهْرِيِّ أَوْ غَيرِهِ مِنَ الأَئِمَّةِ بِإِسْنَادٍ وَاحِدٍ وَمَتْنٍ وَاحِدٍ مُجْتَمِعُونَ عَلَى رِوَايَتِهِ فِي الإِسْنَادِ وَالمَتْنِ، لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ فِي مَعْنَى، فَيَرْوِيهِ آَخَرُ سِوَاهُمْ عَمَّنْ حَدَّثَ عَنْهُ النَّفَرُ الذِينَ وَصَفْنَاهُمْ بِعَينِهِ، فَيُخَالِفُهُمْ فِي الإِسْنَادِ أَوْ يَقْلِبُ المَتْنَ، فَيَجْعَلُهُ بِخِلَافِ مَا حَكَى مَنْ وَصَفْنَا مِنَ الحُفَّاظِ، فَيُعْلَمُ حِينَئِذٍ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنَ الرِّوَايَتِينِ مَا حَدَّثَ الجَمَاعَةُ مِنَ الحُفَّاظِ دُونَ الوَاحِدِ المُنْفَرِدِ» (٢).

رَابِعَاً: تَعْيِينُ مَوَاطِنِ الاتِّفَاقِ وَالاِخْتِلَافِ: بعدَ تشجيرِ الأسانيدِ، وتعيينِ الرُّواةِ، وتحديدِ مدارِ الإسنادِ، على الباحثِ النَّظرُ في الأسانيدِ والمتونِ، وبيانُ مواطنِ الاتِّفاقِ والافتراقِ منَ الرُّواةِ، لتوضيحِ الاختلافاتِ فيهَا، والتي منْ خلالِهَا تُكشفُ عللُ الحديثِ، وتظهرُ فوائدُهُ، قالَ ابنُ حجرٍ «ت ٨٥٢ هـ»: «فَالسَّبِيلُ إِلَى مَعْرِفَةِ سَلَامَةِ الحَدِيثِ


(١) النكت على ابن الصلاح ١/ ٤٠٥.
(٢) التمييز ١/ ١٧٢.

<<  <   >  >>