للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بِالصِّدْقِ وَالبَصِيرَةِ وَالفَهْمِ، لَا يُسْأَلُ عَنْ عَدَالَتِهِمْ، وَإِنَّمَا يُسْأَلُ عَنْ عَدَالَةِ مَنْ كَانَ فِي عِدَادِ المَجْهُولِينَ أَوْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ عَلَى الطَّالِبِينَ» (١).

٣ - التَّنصيصُ: قالَ ابنُ الصَّلاحِ «ت ٦٤٣ هـ»: «عَدَالَةُ الرَّاوِي تَارَةً تَثْبُتُ بِتَنْصِيصِ مُعَدِّلِينَ عَلَى عَدَالَتِهِ، وَتَارة تَثْبُتُ بِالاِسْتِفَاضَةِ … » (٢). والتَّنصيصُ مبنيٌّ على البندِ الأوَّلِ، باختبارِ أحوالِ الرَّاوي بالمعاينةِ والمخالطةِ.

وبذلكَ نجدُ أنَّ طُرقَ الأئمَّةِ في تحديدِ عدالةِ الرَّاوي، لا تتعدَّى ما ذكرناهُ، وسبرُ حديثِ الرَّاوي وتتبعُهُ ليسَ واحداً منهَا، إذْ إنَّ متعلَّقَ السَّبرِ بالضَّبطِ دونَ العدالةِ.

لكنَّ ثمَّةَ مذهباً يقولُ: إنَّ الرُّواةَ علَى العدالَةِ ما لمْ يظهرْ فيهِمْ ما يقدحُ فيهَا، وإنَّ الأصلَ في الرَّاوِي الإسلامُ، والأصلَ في المسلمِ العدالَةُ، والفسقَ عارضٌ، فحيثُ لمْ يُنقَلْ في حقِّ الرَّاوِي ما يُوثِّقُهُ أو يُجرِّحُهُ فهوَ عدلٌ، وهوَ رأيُ ابنِ حبَّانَ «ت ٣٤٥ هـ»، حيثُ قالَ: «مَنْ كَانَ لَا يَرْوِي المَنَاكِيرَ، وَوَافَقَ الثِّقَاتَ فِي الأَخْبَارِ، كَانَ عَدْلَاً مَقْبُولَ الرِّوَايَةِ، إِذِ النَّاسُ أَحْوَالُهمْ عَلَى الصَّلَاحِ وَالعَدَالَةِ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ مِنْهُمْ مَا يُوجِبُ القَدْحَ فَيُجْرَحُ بِمَا ظَهَرَ مِنْهُ مِنَ الجَرْحِ، هَذَا حُكْمُ المَشَاهِيرِ مِنَ الرُّوَاةِ، وَأَمَّا المَجَاهِيلُ الذِينَ لَمْ يَرْوِ عَنْهُمْ إِلَّا الضُّعَفَاءُ فُهُمْ مَتْرُوكُونَ عَلَى الأَحْوَالِ كُلِّهَا» (٣).

فالعدولُ عندَهُ همُ المشهورونَ الذينَ روى عنهُمْ الثِّقاتُ، والمجروحونَ همُ المجاهيلُ الذينَ لمْ يروِ عنهُمْ إلَّا الضُّعفاءُ، ولو لمْ يردْ فيهِمْ جرحٌ أو تعديلٌ، وبيَّنَ أنَّ العمدةَ في توثيقِ


(١) المصدر ذاته.
(٢) مقدمة ابن الصلاح ١/ ١٠٤.
(٣) المجروحين ٢/ ١٩٢ «بتصرف يسير».

<<  <   >  >>