للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتارةً يصحُّ الوجهانِ، بأنْ يكونَ الرَّاوي رواهُ مرَّةً مرسلَاً ومرَّةً موصولَاً (١)، بحسبِ نشاطِهِ وفتورِهِ.

وقدْ أفاضَ ابنُ حجرٍ «ت ٨٥٢ هـ» في بيانِ وجوهِ التَّرجيحِ وكيفيَّتِهِا في هذهِ المسألةِ، فقالَ: «المُخْتَلِفُونَ إِمَّا أَنْ يَكُونُوا مُتَمَاثِلِينَ فِي الحِفْظِ وَالإِتْقَانِ أَمْ لَا، فَالمُتَمَاثِلُونَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَدَدُهُمْ مِنَ الجَانِبَينِ سَوَاءً أَمْ لَا، فَإِنْ اسْتَوَى عَدَدُهُمْ مَعَ اسْتِوَاءِ أَوصَافِهِمْ وَجَبَ التَّوَقُّفُ، حَتَّى يَتَرَجَّحَ أَحَدُ الطَّرِيقَينِ بِقَرِينَةٍ مِنَ القَرَائِنِ، فَمَتَى اعْتَضَدَتْ إِحْدَى الطَّرِيقَينِ بِشَيءٍ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ حُكِمَ لَهَا، وَوُجُوهُ التَّرْجِيحِ كَثِيرَةٌ لَا تَنْحَصِرُ وَلَا ضَابِطَ لَهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَمِيعِ الأَحَادِيثِ، بَلْ كُلُّ حَدِيثٍ يَقُومُ بِهِ تَرْجِيحٌ خَاصٌّ لَا يَخْفَى عَلَى المُمَارِسِ الفَطِنِ الذِي أَكْثَرَ مِنْ جَمْعِ الطُّرُقِ.

وَإِنْ كَانَ أَحَدُ المُتَمَاثِلَينِ أَكْثَرَ عَدَدَاً، فَالحُكْمُ لَهُمْ عَلَى قَولِ الأَكْثَرِ …

وَأَمَّا غَيرُ المُتَمَاثِلَينِ، فَإِمَّا أَنْ يَتَسَاوَوا فِي الثِّقَةِ أَوْ لَا، فَإِنْ تَسَاوَوا فِي الثِّقَةِ، فَإِنْ كَانَ مَنْ وَصَلَ أَوْ رَفَعَ أَحْفَظُ فَالحُكْمُ لَهُ … أَيضَاً إِنْ كَانَ العَكْسُ فَالحُكْمُ لِلمُرسِلِ وَالوَاقِفِ، وَإِنْ لَمْ يَتَسَاوَوا فِي الثِّقَةِ فَالحُكْمُ لِلثِّقَةِ …

وَبَقِيَ إِذَا كَانَ رِجَالُ أَحَدِ الإِسْنَادَينِ أَحْفَظَ وَرِجَالُ الآَخَرِ أَكْثَرُ … لَا شَكَّ أَنَّ الاِحْتِمَالَ مِنَ الجِهَتَينِ مُنْقَدِحٌ قَوِيٌّ، لَكِنَّ ذَاكَ إِذَا لَمْ يَنْتَهِ عَدَدُ الأَكْثَرِ إِلَى دَرَجَةٍ قَوِيَّةٍ جِدَّاً، بِحَيثُ يَبْعُدُ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى الغَلَطِ أَوْ يَنْدُرُ أَوْ يَمْتَنِعُ عَادَةً، فَإِنَّ نِسْبَةَ الغَلَطِ إِلَى الوَاحِدِ - وَإِنْ كَانَ أَرْجَحَ مِنْ أُولَئِكَ فِي الحِفْظِ وَالإِتْقَانِ - أَقْرَبُ مِنْ نِسْبَتِهِ إِلَى الجَمْعِ الكَثِيرِ» (٢).


(١) انظر أمثلة ترجيح الوجهين في العلل للدارقطنيِّ ١٠/ ١٧٩، والعلل لابن أبي حاتم ٢/ ٣٤١/ ر ٢٥٤٨، و ٢/ ٢١٦/ ر ٢١٣٨، و ١/ ١١٤/ ر ٣٠٨، و ١/ ٣٢٩/ ر ٩٨٠.
(٢) النُّكت على ابن الصَّلاح ٢/ ٧٧٨.

<<  <   >  >>