للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثالثًا: التَّرجيحُ عندَ تعارضِ الرَّفعِ والوقفِ أوْ القطعِ: إذَا كانَ للحديثِ طريقانِ أوْ أكثرُ، بعضُهَا مرفوعٌ، وبعضهَا موقوفٌ، أو مقطوعٌ، فللنقادِ مذاهبُ فيْ ترجيحِ روايةِ الوقفِ أوْ الرَّفعِ أوْ القطعِ، إذْ إنَّ الرَّفعَ علَّةٌ للموقوفِ، والوقفَ علَّةٌ للمرفوعِ، وكذلكَ القطعَ علَّةٌ للمرفوعِ والموقوفِ، والعكسُ صحيحٌ، قالَ ابنُ حجرٍ «ت ٨٥٢ هـ»: «ثُمَّ إِنَّ تَعْلِيْلَهُمُ المَوْصُوْلَ بِالمُرْسَلِ أَوْ المُنْقَطِعِ، وَالمَرْفُوْعَ بِالمَوْقُوْفِ أَوْ المَقْطُوْعِ لَيْسَ عَلَىْ إِطْلَاْقِهِ، بَلْ ذَلِكَ دَائِرٌ عَلَىْ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِتَرْجِيْحِ أَحَدِهِمَا عَلَىْ الآَخَرِ بِالقَرَائِنِ التِيْ تَحُفُّهُ كَمَا قَرَّرْنَاهُ قَبْلُ» (١).

وقولُ ابنُ حجرٍ إشارةٌ بيِّنةٌ إلىْ تعليلِ المرفوعِ بالموقوفِ والمقطوعِ، وأوردتهُ هنَا لأنَّ كتبَ الحديثِ تكلَّمتْ عنْ تعارضِ الوقفِ والرَّفعِ دونَ القطعِ، وللعلماءِ فيْ التَّرجيحِ حالَ التَّعارضِ مذاهبُ، كمَا يأتيْ:

الأوَّلُ: الحكمُ بالرَّفعِ (٢): وهذَا ماْ رجَّحهُ الإمامُ النَّوويُّ «ت ٦٧٦ هـ»، فقالَ: «الثِّقَةُ إِذَا انْفَرَدَ بِرَفْعِ مَاْ وَقَفَهُ الأَكْثَرُوْنَ، كَانَ الحُكْمُ لِرِوَايَتِهِ، وَحُكِمَ بِأَنَّهُ مَرْفُوْعٌ عَلَىْ الصَّحِيْحِ الذِيْ عَلَيْهِ الفُقَهَاءُ وَالأُصُوْلِيُّوْنَ وَمُحَقِّقُوْ المُحَدِّثِيْنَ» (٣). ودرجَ عليهِ فيْ كُتُبِهِ (٤).


(١) النُّكت لابن حجر ٢/ ٧٤٦.
(٢) وهو قول كثير من المحدِّثين، وأكثر أهل الفقه والأصول، قال الحافظ العراقيُّ «ت ٨٠٦ هـ»: «الصَّحيح الذي عليه الجمهور أنَّ الرَّاوي إذا روى الحديث مرفوعاً وموقوفاً فالحكم للرَّفع، لأنَّ معه في حالة الرَّفع زيادة، هذا هو المرجَّح عند أهل الحديث». نقله السَّخاويُّ في فتح المغيث ١/ ١٧٧.
(٣) شرح النَّوويِّ على صحيح مسلم ١٤/ ٤٨.
(٤) والحكم بالرَّفع على إطلاقه مشكلُّ جداً؛ بل وخطيرٌ، لأن بعض أشكال الوضع يخترعه الواضع، وبعضها يأخذه من كلام السَّلف الذين يُشبه كلامهم كلام الأنبياء، هذا فضلاً عن كلام الصَّحابة رضوان الله عليهم الذين أشبه ما يكون كلامهم بكلام الأنبياء، كما بيَّنه ابن حجر في النُّخبة - انظر شرحها للقاري ص ٤٤٤.

<<  <   >  >>